كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 3)
"""""" صفحة رقم 33 """"""
فتصبر عليه ، فإن ريحك ريح الإبل وأنا أعافك ، ثم أشمته الدهن على الموسى ، ورفعته فوضعته بين عينيه فاستلتت بها أنفه . وقالت : قم إلى إبلك يا بن الخبيثة ، فأتى صاحبه ، فلما رآه . قال : أمقبل أنت أم مدبر ؟ قال : أخزاك الله ، أو قد عمى بصرك ؟
إذ لا ترى أنفا ولا أذنين . . . أما ترى وباصة العينين
هذا أحد الأقوال في هذا المثل : يضرب لمن يؤمر بالصبر على ما يكره . ويقال : إن أعرابياً قدم الحضر بإبل ، فباعها بمال كثير وأقام لحوائج له ، ففطن قوم من جيرته لما معه من المال ، فعرضوا عليه تزويج جارية وصفوها بالجمال والحسب طمعا في ماله ، فرغب فيها فزوجوه إياها ، ثم اتخذوا طعاما وجمعوا الحي ، وجلس الأعرابي في صدر المجلس ، فأكلوا الطعام وأداروا الكؤوس وشرب الأعرابي ، ثم أتوه بكسوة فاخرة ، فلبسها وقدموا له مجمرة فيها بخور لا عهد له به ، وكان لا يلبس السراويل ، فلما جلس على المجمرة ، سقطت مذاكيره في النار ، فظن أن ذلك سنةٌ لا بد منها ، واستحيا أن يكشف ثوبه . فقال : صبرا على مجامر الكرام ، فذهبت مثلا واحترقت مذاكيره ، وتفرق القوم ، وارتحل إلى البادية وترك المرأة والمال ، فلما وصل إلى قومه وقص عليهم القصة . قالوا : استٌ لم تعود المجمر ، فذهبت مثلا : يضرب لمن لا قديم له .
وقولهم : " صار الزج قدام السنان " : يضرب في سبق المتأخر المتقدم من غير استحقاق لذلك .
وقولهم : " صرح المحض عن الزبد " : يضرب للأمر إذا انكشف وتبين .
وقولهم : " صفقةٌ لم يشهدها حاطب " هو حاطب بن أبي بلتعة كان حازما ، فباع بعض أهله بيعة غبن فيها حين لم يشهدها حاطب ، فسارت مثلا لكل أمر ينبرم دون صاحبه .