كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 3)
"""""" صفحة رقم 332 """"""
وقال الأحنف بن قيس : اثنان لا يجتمعان : الكذب والمروءة .
وقال بزرجمهر : الكاذب والميت سواء ، لأن فضيلة النطق الصدق ، فإذا لم يوثق بكلامه بطلت حياته .
وقال معاوية يوما للأحنف : أتكذب ؟ فقال : والله ما كذبت مذ علمت أن الكذب شينٌ .
وقيل : لا يجوز للرجل أن يكذب لصلاح نفسه ، فما عجز الصدق عن إصلاحه كان الكذب أولى بفساده . قال بعض الشعراء :
ما أحسن الصدق والمغبوط قائله . . . وأقبح الكذب عند الله والناس
وقالوا : احذر مصاحبة الكذاب ، فإن اضطررت إليها فلا تصدقه ولا تعلمه أنك كذبته ، فينتقل عن مودته ، ولا ينتقل عن كذبه .
وقال هرمس : اجتنب مصاحبة الكذاب ، فإنك لست منه على شيء يتحصل ، وإنما أنت معه على مثل السراب يلمع ولا ينفع .
وقيل : الكذاب شرٌ من النمام ، فإن الكذاب يختلق عليك ، والنمام ينقل عنك . قال شاعر :
إن النموم أغطى دونه خبري . . . وليس لي حيلةٌ في مفترى الكذب
وقال آخر :
لي حيلة فيمن ينم . . . وليس في الكذاب حيله
من كان يخلق ما يقو . . . ل فحيلتي فيه قليله
ووصف أعرابي كذابا فقال : كذبه مثل عطاسه ، لا يمكنه رده .
وقال بعض الأعراب : عجبت من الكذاب المشيد بكذبه ، وإنما هو يدل الناس على عيبه ، ويتعرض للعقاب من ربه ، فالآثام له عادة ، والأخبار عنه متضادة ، إن قال حقا لم يصدق ، وإن أراد خيراً لم يوفق ، فهو الجاني على نفسه بفعاله ، والدال على