كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 3)

"""""" صفحة رقم 343 """"""
كانت لي فقد وهبتها له ، ولا أقوم من مجلس شرفني به أمير المؤمنين ، فلما انصرف المجلس ، سأل عمارة عن صفة الرجل ، وما كان لباسه ، وأين كان موضع جلوسه ، وكان من تيهه أنه إذا أخطأ يمر على خطئه تكبرا عن الرجوع ويقول : نقض وإبرام في ساعة واحدة ، الخطأ أهون منه . ومنهم من أهلكه الكبر وأذله . كان خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري أميرا على العراق ، وبلغ من هشام بن عبد الملك محلا رفيعا ، فأفسد أمره العجب والكبر ، وأدناه إلى الهلكة ، وعذب حتى مات ، وذلك أنه كان إذا ذكر هشام عنده ، قال : ابن الحمقاء فسمعها رجل من أهل الشام ، فقال لهشام : إن هذا البطر الأشر الكافر لنعمتك ونعمة أبيك وإخوتك ، يذكرك بأسوأ الذكر ، قال : لعله يقول : الأحول ، قال : لا ، ولكنه يقول : ما لا تلتقي به الشفتان ، قال : لعله يقول : ابن الحمقاء ، فأمسك الشامي ، فقال هشام قد بلغني كل ذلك عنه ، وكان خالد يقول : والله ما إمارة العراق مما تشرفني ، فبلغ ذلك هشاما ، فكتب إليه : بلغني أنك يا بن النصرانية تقول : إن إمارة العراق لا تشرفك وأنت دعي بجيلة القليلة الذليلة ، والله إني لأظن أن أول من يأتيك صيفي بن قيس فيشد يدك إلى عنقك ، قال خالد بن صفوان بن الأهتم : لم تزل أفعال خالد حتى عزله هشام وعذبه ، وقتل ابنه يزيد بن خالد ، فرأيت في رجله شريطا قد شده به الصبيان يجرونه ، فدخلت إلى هشام يوما ، فحدثته فأطلت ، فتنفس ، وقال : يا خالد كان أحب إلي قربا وألذ عندي حديثا منك ، يعني خالد القسري ، قال : فانتهزتها ورجوت أن أشفع فتكون لي عند خالد يدا ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما يمنعك من استئناف الصنيعة ، فقد أدبته بما فرط منه ، فقال : هيهات إن خالدا أوجف فأعجف ، وأدل فأمل ، وأفرط في الإساءة ، فأفرطنا في المكافأة ، فحلم الأديم ، ونغل الجرح ، وبلغ السيل الزبى ، والحزام الطبيين ، ولم يبق فيه مستصلح ، ولا للصنيعة عنده موضع ، عد إلى حديثك .

الصفحة 343