كتاب الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي (اسم الجزء: 4)

قال القرافي: "بعيدٌ من جهة أن النحاة نَصُّوا على أن "لا" لنفي المستقبل، واستعمالها بمعنى "لم" قليل مجازٌ (¬١)، فيجتمع المجاز في الفعل المضارع وفي "لا" أيضًا (¬٢)، فكان الأحسن في الجواب أن يقال: لا نسلم التكرار، بل قال بعض العلماء: إن قوله تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} إخبار عن الواقع منهم، أي: عدم المعصية دائمًا. وقوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} إخبار عن سجياتهم التي طُبعوا عليها، يعني: أن سجيتهم الطاعة (¬٣)، فيكون أحدهما خبرًا عن الواقع منهم، والآخر خبر (¬٤) عن السجية التي فطروا عليها فلا تكرار، والفعل المضارع قد كثر استعماله في الحالة المستمرة (¬٥)، كقولهم: زيدٌ يُعْطِي ويَمْنع، ويَصِل ويقطع. وقول خديجة رضي الله عنها للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَل، وتُعين على نوائب الدهر" (¬٦). أي: ذلك شأنك في كل وقت. وهو مجاز واحد
---------------
(¬١) نحو قوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} أي: لم يصدق. انظر: نفائس الأصول ٣/ ١٢٤٠.
(¬٢) أي: يجتمع على هذا التقدير مجازان: محاز إطلاق المضارع وإرادة الماضي، ومجاز إطلاق "لا" على نفي الماضي، وهي في الأصل لنفي المستقبل.
(¬٣) فهم يُلهمون الطاعة والتسبيح كما يُلهم أحدنا النَّفَس.
(¬٤) هكذا في النسخ، والصواب: "خبرًا".
(¬٥) أي: المستمرة في الماضي والحال والاستقبال.
(¬٦) أخرجه البخاري ١/ ٥٠٤، في كتاب الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رقم ٣. وخَرَّجه في مواضع أخرى مختصرًا ومطولًا. انظر الأرقام الآتية: ٣٢١٢، ٤٦٧٠، ٤٦٧٢ - ٤٦٧٤، ٦٥٨١. وأخرجه مسلم ١/ ١٣٩ - ١٤٢، في كتاب الإيمان, باب بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رقم الحديث ١٦٠.

الصفحة 1061