كتاب الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي (اسم الجزء: 5)
وسلكت طائفةٌ طريقةً أخرى، قال القاضي: "وهي الأَوْلى: وهي أنَّا قد علمنا قطعًا (وانتشارًا احتجاجَ) (¬١) السلف في الحث على (¬٢) موافقة الأمة واتباعها، والزجرِ عن مخالفتها، بهذه الأخبار التي ذكرناها"، قال القاضي: "وما أبدع مُبْدِعٌ في العُصُر الخالية بدعةً إلا وبَّخه علماءُ عصره على ترك الاتباع وإيثار الابتداع (¬٣)، واحتجوا عليه بالألفاظ التي قدمناها"، قال: "وهذا ما لا سبيل إلى جَحْده، وقد تحقق ذلك في زمن الصحابة والتابعين ومَنْ بعدهم، ولم يُظْهِرْ أحدٌ قبل النَّظَّام مَطْعنًا في الأحاديث، فلولا أنهم علموا قطعًا صِدْقَ الرواة - لوجب في مُسْتَقَر العادة أن يُبدوا ضربًا من المطاعن في الأخبار" (¬٤). هذا كلام القاضي.
ولقائل أن يقول: أما أن السلف كانوا يُوَبِّخون على ترك الاتباع وإيثار الابتداع - فمسلَّم، وأما أنهم كانوا يحتجون على ذلك بالألفاظ المتقدمة - فغير مسلَّم، فلم (¬٥) تكن هذه الطريقة سالمةً عن الاعتراض.
وقال الإمام: "لم يقل أحدٌ: إنَّ الإجماع المنعقد بصريح القول دليلٌ ظني، بل منهم مَنْ نفى كونه دليلًا بالأصالة، ومنهم مَنْ جعله قاطعًا" (¬٦).
---------------
(¬١) في التلخيص ٣/ ٢٧: "انتشار احتجاج". وكلاهما صحيح.
(¬٢) سقطت من (ت).
(¬٣) في (ت): "الإبداع".
(¬٤) انظر: التلخيص ٣/ ٢٧.
(¬٥) في (ص)، و (غ): "ولم".
(¬٦) انظر: المحصول ٢/ ق ١/ ١٣٩.