كتاب الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي (اسم الجزء: 6)
وأما الثالثة: قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} (¬١) أمر بماهية الاعتبار، وهو أمر شامل لجميع أنواع الاعتبار، ومن جملة أفراده القياس، فوجب أنْ يكونَ مأمورًا به (¬٢).
واعترض الخصم أولًا: بأنَّا لا نسلم أنّ الاعتبار المجاوزة، بل المراد من المأمور به الاتعاظ، ودليل ذلك أنّ القياس الشرعي لا يناسب صدر الآية وهو قوله تعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} (¬٣) فإنّه لا يقال بعد ذلك فقيسوا الذّرة على البُر؛ إذ (¬٤) هو حينئذ ركيك من الكلام ولا يليق بالشرع.
وأجاب عنه: بأن المراد بالاعتبار، القدرُ المشتركُ بين الاتعاظ والقياس وهو المجاوزة إذ في كلٍّ منهما معناهما (¬٥)، بخلاف ما لو جعلناه مختصًا بالاتعاظ فإنّه يلزم (¬٦) إما الاشتراك أو المجاز، وهما على خلاف الأصل، وإذا حملنا الاعتبار على مطلق المجاوزة لا يلزم الركاكة (¬٧)؛ لأنها إنما تلزم أن لو خصصنا الاعتبار بالقياس الشرعي وليس كذلك.
---------------
(¬١) سورة الحشر من الآية ٢.
(¬٢) هذه أدلة على صحة المقدمات الثلاث.
(¬٣) سورة الحشر من الآية ٢.
(¬٤) في (غ)، (ت): وهو.
(¬٥) في (ص): معناها.
(¬٦) في (غ)، (ت): فيلزم.
(¬٧) في (غ): الوكالة. وهو تصحيف.