كتاب الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي (اسم الجزء: 2)

وبصره مباين لسمعهم (وبصرهم وعلمهم) (¬١)، فتنزيه كثير من الجهال يحتاج إلى تنزيه، ومجامع التقديس أن نقدِّسه عن الشركاء والأضداد (¬٢) والنظير والولد، وإحاطة الأبصار (¬٣)، والحاجة إلى غيره، وغير ذلك مما (¬٤) يستحيل عليه.
وأكثر الناس يعتقدون أنَّ معنى القدوس: الطاهر، ولا شك أَنَّه يدل على ذلك، ولكنه ليس كل معناه، فإنَّ بناء "طاهر" لازم، و"قدوس" مأخوذ من فعل متعد (¬٥)، فمعناه: مطهِّر، بكسر الهاء، أي: أنَّه تعالى مُقَدِّس لنفسه بإخباره عنها بالتوحيد والإجلال والإكرام، واستحالةِ النقائص عليه، وعَجْزِ الأوهام عنه، وخالقُ الأدلة على ذلك (¬٦). ومُقَدِّس لخلقه عن اعتقادهم فيه ما لا يليق بذاته. والأول صفة ذات، والثاني
---------------
(¬١) في (ت): "وعلمهم وبصرهم".
(¬٢) الأضداد جمع ضد: وهو النظير والكفء. المصباح: ٢/ ٤.
(¬٣) يعني: أن أبصار المؤمنين وإن رأت المولى عز وجل في الآخرة في عَرَصات يوم القيامة، وفي الجنة - جعلنا الله والمسلمين من أهلها - إلا أنها رؤيةٌ لا إحاطةٌ، فإن معرفة كُنْه حقيقة المولى عز وجل، وعظمته وجلاله على ما هو عليه غير ممكن للبشر ولا للملائكة ولا لشيء، ولهذا قال تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} أي: لا تحيط به، {وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}. سبحانه وتعالى، وتقدس وتنزه عما يقوله الظالمون علوًا كبيرًا. انظر: تفسير ابن كثير: ٢/ ١٦١، ١٦٢. فتح القدير: ٢/ ١٤٨.
(¬٤) في (ص): "ما".
(¬٥) وهو: قَدَّس أي: طَهَّر.
(¬٦) قوله: "وخالق الأدلة": معطوف على قوله: "بإخباره عنها". يعني: مقدِّس لنفسه بإخباره عنها. . .، ومقدِّس بكونه خالقًا للأدلة على ذلك.

الصفحة 22