كتاب الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي (اسم الجزء: 3)

وقد سَفَّه علماء الأصول الدَّقَّاق ومَنْ قال بمقالته وقالوا: هذا خروج عن حكم اللسان، وانسلال عن مفاوضات الكلام، فإنَّ مَنْ قال: رأيت زيدًا - لم يقتض ذلك أنه لم ير غيره قطعًا.
قال إمام الحرمين: "وعندي أن المبالغة في الرد عليه سَرَفٌ؛ لأنه لا يُظَنُّ بذي العقل الذي لا ينحرف كلامُه عن سَنَن الصواب - أن يُخَصِّص بالذكْر مُلَقَّبًا مِنْ غير غَرَض" (¬١) (¬٢). وحاصل ما اختاره إمام الحرمين أن التخصيص يتضمن غرضًا مبهمًا، ولا يتعيَّن انتفاءُ غيرِ المذكور (¬٣). ثم قال: "وأنا أقول وراء ذلك: لا يجوز أن يكون مِنْ غرض المتكلم في التخصيص نَفْيُ ما عدا المسمَّى بلقبه، فإن الإنسان لا يقول: رأيت زيدًا، وهو يريد الإشعار بأنه لم يرَ غيره، فإنْ هو أراد ذلك قال: إنما رأيت زيدًا، أو ما رأيت إلا زيدًا" (¬٤) هذا كلامه.
وحكى ابن بَرْهان في كتابه في أثناء المسألة مذهبًا ثالثًا عن بعض علمائنا: وهو التفرقة بين أسماء الأنواع وأسماء الأشخاص، فقال: "إنْ تَخَصَّص (¬٥) اسمُ النوع بالذِّكْر دَلَّ على نَفْي الحكم عن غيره". ومَثَّل له ابن
---------------
(¬١) يعني: لا يظن بعاقل أن يعلِّق الحكم على اسم أو لقب بدون غرض.
(¬٢) البرهان ١/ ٤٧٠.
(¬٣) يعني: فيحتمل انتفاء الحكم عن غير المذكور، ويحتمل أن لا ينتفى، ويكون هناك غرض آخر.
(¬٤) البرهان ١/ ٤٧١.
(¬٥) في (ص): "إنَّ تخصيص". وعبارة ابن برهان كما في الوصول إلى الأصول ١/ ٣٤١: "تخصيص اسم النوع بالذكر يدل".

الصفحة 943