الأقوال بقرائن الأحوال، فإذا وكل رجل رجلًا على شراء ثوب أو خادم، فاشترى له من الثياب أو الخدم ما يصلح للباسه وخدمتهء فإنه يلزمه ذلك. وإن اشترى له ما لا يصلح له ولا يليق به من ذلك، فالمذهب على قولين:
لم يُلزمه ابن القاسم ذلك. وألزمه إياه أشهب. وخلافهما راجع إلى ما قدمناه، فقد علمت أن قوله: اشتر لي ثوبًا؛ عموم ينطلق على كل ما يسمى ثوبًا، كان الثوب مما يصلح للموكِّل أو لا يصلح له. لكن ربما اقتضت العوائد دلالة على قصده أنه أراد شراء ثوب يصلح للباسه. فمن اعتبر عموم المقال، ولم يخصصه بالعوائد، قال بمذهب أشهب. وبين الأصوليين خلاف في تخصيص العموم بالعادة. والموكّل على شراء سلعة لا يخلو أن يكون يُقيِّد المثمون والثمن، أوْ لا يقيدهما جميعًا، أو يقيد المثمون دون الثمن، أو الثمن دون المثمون.
فإن قيدهما فخالف الوكيل ما قيّد له، كان متعديًا من غير خلاف، مثل أن يقول له: اشتر لي ثوبًا يصلح للباسي بأربعين دينارًا. فاشترى له ثوبًا لا يصلح للباسه بخمسين دينارًا. فإنه لا يلزم الموكل لكونه خالف ما قيد له في الثمن والمثمون. وهذا لا خلاف فيه.
وإن أطلقهما جميعًا فقال: اشتر لي ثوبا. فإنه إن اشترى ثوبًا يصلح للبالس الموكل بقيمة مثلِه، فإنه يلزم الموكِّلَ ذلك. وإن اشترى له ثوبًا بثمن فاحش خارج عن العادة لم يلزم ذلك الموكلَ؛ لأنه كمُتْلِف مالِه عليه، ولم يوكّله على إضاعة ماله وإتلافه. وسواء في هذا اشتري له ما يصلح للباسه، أو لا يصلح للباسه. وإن قيد المثمون دون الثمن، فقال: اشتر لي ثوبا. يصلح للباسي، فإنه إن اشتراه بقيمته لزم ذلك الموكلَ، وإن اشتراه بزيادة خارجة عن المعتاد على قيمته، لم يلزم ذلك الموكلَ.
وإن قيد الثمن دون المثمون، بأن يقول له: اشتر لي ثوبًا بأربعين دينارًا.