فها هنا. اختلاف بين الأشياخ، ما الذي يقتضيه مذهب ابن القاسم ها هنا؟ فرأى بعضهم أن التقييد بالثمن يرفع التقييد في المثمون، وأنه إذا اشترى له بأربعين دينارًا ثوبًا يصلح للباسه أوْ لا يصلح للباسه، فإنه يلزمه؛ وإن كان ابن القاسم يرى أن الإطلاق في المثمون يتقيد بحكم العادة، ويُقصَر الوكيل على شراء ما يصلح للباس الموكِّل، لأجل أنه إذًا قيد الثمن ها هنا أشعر بأنه لم يقصد إلا (¬1) إلى تحصيل ما يساوي أربعين دينارًا على أي حال كان مما يصلح للباس الموكل أوْ لا يصلح. ورأى بعضهم أن هذا التقييد في الثمن لا يدفع التقييد في المثمون الذي اقتضته العادة مما يصلح للباس الموكل.
واعلم أن التقييد في الثمن لا يوجب المنع من زيادة يسيرة عليه؛ لأنه قد علم في العادة أنه لا يتفق غالبًا شراء سلعة بما يحدَّد في شرائها من الثمن، ولا بدَّ عند المماكسة فيها من زيادة على ما حَدَّ من الثمن أو نقصان منه. فأما النقصان منه فلا اعتبار به وإن كثر؛ لأن ذلك أبلغ في الاجتهاد للموكل وأنفع له. وأما الزيادة الكثيرة فإنه لا يلزم الموكلَ الاستغناء (¬2) عنها. وأما الزيادة اليسيرة كمن حد له أربعون دينارًا، فاشترى بأحد وأربعين، فإن ذلك يلزم الموكل للحاجة إلى مثل هذه الزيادة، وأنه لا يستغنى عنه. فإن وقع الوكيل في زيادة كثيرة لم يلزم ذلك الموكل لكونه خارجًا عما حَدَّ له، وعما هو في حكم ما حد له، وإن زاد زيادة كبيرة كان الموكل بالخيار، إن شاء قبل ذلك منه ورضي به، وإن شاء ألزمَه غرامة الثمن الذي حَدّ له ودفعه إليه. وأما الزيادة اليسيرة فإنها تلزم الموكل، على حسب ما قلناه، وبيّنا وجهه. لكن هل يصدق الوكيل في أنه زادها، ويطلب ذمةَ الموكل بها؟
وإن هلكت السلعة التي اشتراها له هل يجري على قولين، وهما: من أمران يُخرج ما في ذمته إلى أمانته، هل يُقبل قوله، في أنه أخرج ذلك إلى أمانة،
¬__________
(¬1) هكذا في النسختين ولعل الصواب حذف إلا.
(¬2) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: للاستغناء. كما يدل عليه قوله بعدُ في مقابل هذه الصورة: (وأنه لا يستغنى، عنه).