حتى يكون مصدقًا في ضياعه، أو لا يصدق في إخراجه من ذمته؟ وسنبسط
الكلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
والجواب عن السؤال السادس أن يقال:
إذا وكل رجل رجلًا على أن يبيع له أو يشتري، فليس للوكيل أن يوكل غيره، لما قدمناه من كون أملاك المالكين لا يُتصرف فيها إلا على حسب ما أذنوا فيه، وهو إنما أذن لهذا الوكيل بعينه في التصرف في ماله، ورضي بأمانته دون أمانة غيره، فهو متعد إذا خالف ما رَسَم له مالك المال. فإذا وكله على أن يُسلِم له في طعام، فوكّل الوكيل غيرَه على ذلك، فإنه لا يلزم الموكِّلَ ما فعله الوكيل الثاني، لكونه لم يُلْزَم ما عُقِدَ عليه إلا إذا فعله من أذن له فيه، وهو لم يأذن لوكيل الوكيل. وذكر ابن حبيب أنه قد قيل: إن الوكيل الثاني إذا اجتهد، وتوثّق، وفعل ما يفعله الأول، فإن الموكل ليس له نقض هذا الفعل.
وهذا لا يصح إلا على اعتبار المفاسد، وأن رب المال قصده تحصيل عقدٍ على طعام بولغ في الاجتهاد فيه، وفي التوثق في عقده. والمعروف من المذهب ما قدمناه، وأن ذلك لا يلزم الموكِّل الأولَ على الإطلاق. فإذا قلنا بالمعروف من المذهب، فلا يخلو من أن يكون شعَر بذلك مالك المال، وهو لم يدفع إلى من عُقِد السلمُ عليه، أو أُسلِم إليه وهو قائم العين في يديه، أو أسلم إليه وقد ذهب الثمن من يديه وغاب عليه، أو لم يشعر بذلك إلا بعد أن حل أجل السلم وقبض المسلم فيه. فإن شعر بذلك قبل أن يدفع الوكيل رأس المال كان رب المال بالخيار بين أن يجيز فعل هذا الوكيل الثاني، ويمضي عقده ويأمره بدفع الثمن، أو يرد عنه ويسترجع الثمن. وكذلك إذا شعر بهذا بعد دفع الوكيل الثاني الثمن ولم يغب عليه من هو في يديه ممن أسلم إليه. وأما إن غاب عليه فإنه صار دينًا على الوكيل الأول لتعدّيه ما أُذِن له فيه، فلرب المال، ها هنا، أن يرد فعله، ويطالبه بغرامة المال الذي دفع إليه. وهل له أن يجيز فعله ويمضيه؟ منع ذلك في الكتاب، ورآه كفسخ دين في دين، لأجل أن هذا الثمن