إلى هذا التأويل أشار فضل بن سلمة وقدر أن الموكل إذا استحق عين الدنانير فلا وجه لصرفه عن عين ماله، وإذا كان لا يستحق إلا مثلها في ذمةٍ، فذمة المتعدي عليه أولى بالطلب من المسلم إليه.
ولو كان دفع الموكل إليه ثوبًا ليسلمه. له فيما ذكرناه فأسلمه في غير ذلك من الأجناس، لأخذه الموكل إن شاء، ولو غاب عليه المسلم إليه؛ لأن الغيبة عليه لا تمنع من العلم بعينه، بخلاف الدنانير وما لا يعرف بعينه. هذا حكم رجوع الموكل مع قيام رأس المال عينًا كان أو عرضًا، وما يعرف بعينه لتعلق الأغراض فلا يلزم إمضاء العقد مع ذهاب الغرض الذي وقع العقد لأجله.
وأما إن كان رأس المال مما لا يعرف بعينه كالدنانير وما في معناها فإنه إذا ارتجعها من يد المسلم إليه لم ينفسخ العقد وأُلزِم الوكيل المتعدي غرامتَها للمسلم إليه لأنه مطلوب بالثمن، وقد استُحق ما دفعه منه. وإذا استحق الثمن وهو عينٌ فإن العقد لا ينفسخ، ويلزم العاقدَ غرامةُ مثله، والعاقد ها هنا الدافع لهذه الدنانير المستحقة، وهو الوكيل. لكن لو عقد السلم على وجه لا يكون عليه فيه - تباعة بالثمن، فإنْ بَيَّن أنه وكيل أو رسول الموكِّل، ليباع منه المسلَم فيه، فإنه ها هنا لا يطالب بغرامة ما استحق من الثمن. وإذا لم يطالب بغرامة، انفسخ العقد في السلم، لكون المسلم إليه لا يجد من يطالبه برأس المال. هذا لو ضاع رأس المال وحكم فسخ (¬1) العقد. وأما لو أراد الموكل ألا يرتجع رأس المال بل يمضي العقد ويجيزه، فإنه إذن لم تَجبْ له غرامة على أحد، وإنما استحق أخذ رأس المال من يد المسلم إليه، عينا كان أو عرضًا، فإن له أن يجيز تعدي الوكيل، ويمضي العقد، ويصير قد ملك استرجاع عين رأس المال وفسْخَ العقد في حق نفسه، فلا يحرم عليه أن يستأنف عقدًا برأس المال الذي ملك استرجاعه، دنانير كان أو عرضًا.
وأما إن وجبت له غرامة مثل رأس المال أو قيمته إن كان عرضًا، قيل:
¬__________
(¬1) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: بفسخ.