يمكّن من إجازة هذا العقد وإبقائه على ملك نفسه. هذا فيه قولان: منعه في المدونة، وأجازه مالك في كتاب ابن حبيب - وسبب هذا الاختلاف أنه قد تقرر أنه لا يجوز بيع دين بدين، والغرر (¬1) أنه يجوز استئناف عقد سلم بمال يدفعه المسلم. فمن رأى أن الموكل كان بالخيار في إمضاء العقد أو ردّه وأنه إذا اختار أحد الأمرين، وهو إمضاء العقد، فكأنه لم يقع العقد إلا على رضاه، وارتفع عن العقد حكم التعدي. وإذا قدرنا أن ما يُترقب من إجازة العقد إذا أوقعه، كأن العقد لم يزل ماضيًا جائزًا، فإنه لا يتصور ها هنا بيع دين بدين، وإن قدرنا أنه وقع ما توقيناه (¬2) منه من الإجازة فإن العقد لم يثبت له حكم الإمضاء في أصله، وإنما ثبت له الآن، فإن هذا يمنع لأن هذا بالعقد الذي تعدى فيه الوكيل استحق أن يغرمه رأس المال فانتقل عن هذا الذي استحق من الدفع للموكل رأسُ المال إلى أن أخذ عوضًا عنه المسلَمَ فيه، فمنع من ذلك، لكونه دينًا بدين. وأيضًا فإنه قد ملك أن يردّ العقد؛ لأنه لم يقع عن إذنه، ومَلَكَ أن يجيزه لأن الوكيل مقر أنه إنما عقده لموكله لا لنفسه. فإذا قلنا: من ملك أن يملك إنه كالمالك، جاز ذلك؛ لأنه لم ينتقل عن الرضا بالسلم فيه عن مال تحقق له، وإن لم ينظر الموكل في ذلك إلا بعد أن حل أجل السلم، وقبض المسلم فيه، فإن له إجازة العقد من غير خلاف، لارتفاع ما صورناه في هذا القسم من أن يُتصور فيه بيع دين بدين. وقصارى ما يتصور فيه أنه باع ما يستحق أن يغرمه الوكيل من رأس المال بعرض يأخذه في الحال، وصارت المسألة على ثلاثة أقسام: إما إجازة الموكل، وقد استحق أخذ عين رأس المال، فإنه جائز: وإما إجازة ذلك وقد قبض السلم بعد حلوله، وهو عرض، فإنه جائز له ذلك أيضًا. وإما إجازته ذلك، ولم يستحق أخذ عين رأس المال، ولم يحضر المسلم فيه، فيأخذه، وقد وجبت له غرامة رأس المال على الوكيل أو على المسلم إليه، فإن في تمكينه من إجازة هذا العقد قولين، ووجههما ما بيّناه.
¬__________
(¬1) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: وتقرر.
(¬2) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: توقعناه.