ولو كان الوكيل تعدى فأسلم في طعام، فإنه لا يمكَّن الموكل من إجازة العقد وأخذ الطعام وإن أخذه بالفور؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه، على أحد القولين المذكررين وهو تقدير كون الطعام على ملك الوكيل المتعدي فدفعه قبل كيله عوضًا عما وجب عليه من غرامة رأس المال الذي ثبت في ذمة الموكل. وقد ذكر فضل بن سلمة أن أصل ابن القاسم وأشهب في هذا أن الموكل له أن يغرم الوكيل رأس المال الذي تعدى عليه ولا طلب له بأكثر من ذلك، أو ترك طلبه بغرامة ذلك ويباع له العرض المسلم فيه، فإن وفّى بما وجب له من رأس المال أو زاد ثمن العرض على رأس المال، فإن ذلك للموكل، وإن قبض عين العرض المسلم فيه عما وجب للموكل من رأس المال غرم الوكيل ما قبض عن ذلك لكونه ضامنًا لجملة رأس المال بتصرفه فيه. وإن شاء الموكل أغرم الوكيل رأس المال وانتظر حلول الأجل وقبَض المسلم فيه، فإذا قبض بيع، فإن كان فيه ربح أخذه، وإن كانت خسارة كانت على الوكيل لأجل تعدّيه. وذكر أن أشهب ذكر هذا في ديوانه وأشار إليه الدمياطي في كتبه عن ابن القاسم. وقال الأشياخ إنما يصح بيع هذا العرض الدين إذا ظُن أن فيه ربحًا يأخذه الموكل؛ وأما إن كان لا ربح فيه يأخذه الموكل أو فيه خسارة يفتقر الوكيل إلى غرامتها فلا معنى لبيعه إذا دفع الوكيل للموكل رأس ماله، وإلزام بيع العرض الدين بخسارة يغرمها الوكيل مع كونه وفَّى الموكل حقه إضرارٌ لا فائدة فيه. وهذا الذي قالوه هو مقتضى الأصول.
ولكن عبارة أصحاب الروايات قد تشير إلى خلافه لأنهم قالوا: يباع، فإن كانت فيه خسارة غرمها الوكيل.
والعبارة السديدة على طريقة هؤلاء الأشياخ أن يقال: يباع إن ظُن أن فيه ربحًا. لا (¬1) أن يكون المراد بما وقع في الروايات أنه ظن أن فيه ربحًا فبيع لأجل ذلك فانكشف من حال بيعه أن فيه خسارة فلا تكون عبارتهم منافرة لما
¬__________
(¬1) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: إلاّ.