وهذا الذي أشار إليه هؤلاء من الفرق طريق صحيح في التفرقة بين حصول الغرر في شراء من لم يتكفل بالدين وشراء من تكفل به لكن المسألة عندي على طريقة هؤلاء يلاحظ مسألة أخرى، قدمنا ذكرها في كتاب السلم الأول، وهي إذا عقد السلم بوكالة على أن الموكِّل إن جحد لزم الوكيل المطالبة بالسلم، وقد قدمنا هناك أن كون هذا المبيع مترددًا بين ذمتين يقتضي فيه غررًا فيمنعه سحنون، ويجيزه ابن القاسم؛ لأنه يرى هذا التردد بين الذمتين غررًا، كما قدمنا بيان القول فيه. وكذلك ها هنا تعليل هؤلاء يقتضي كون بائع الدين باع ما لا يدري هل يستحقه ويقبضه من ذمة المديان أو من ذمة الكفيل فإن كان يقول: إني أستحقه في الذمتين جميعًا لكن أحدهما ظالم، فإنه لا يقضى له على هذا (¬1) جحد بأن يسلم إليه ما ادعى به عليه.
وبعض من سلك هذه الطريقة يشير إلى أن الأصل ما ذكره في المدونة في المسألة الثانية إذا اشترى الكفيل ما تكفل به من دراهم بعرض لنفسه فإن ما اشترطه في المسألة الأولى من الإقرار يستغنَى عنه. ومنهم من سلك خلاف هذه الطريقة، ورأى أن الكفيل يفتقر فيه إلى شرط كما يفتقر في ذلك إذا اشترى هذا الدين من لم يتكفل به، ويعتل بأنه لا يقصر الغرر على الجحود خاصة بل كل إمكان تحصل الثقة بحصول المبيع يوجب المنع إذا وقع التحرير بين الحصول والانتفاء على وجه واحد. وها هنا يمكن أن يكون الغريم الذي عليه السلم يدعي القضاء ويقيم عليه بينة، فيسقط الطلب بالدين عنه وعن الكفيل، وينصرف الح الذي اليمين فلا يبدل الكفيل من الثمن وهو يقدر أن المشتري لا يحصل له ما يبدله وهو يعلم أن المشتري حاصل له واختلاف الثمن ها هنا يتضمن غررًا في العقد فوجب المنع إذا لم يقع إقرار. وهؤلاء يشيرون إلى أن الأصل ثبوت الإقرار وإنما حذف الثانية اختصارًا واكتفاءًا بما تقدم. ومنهم من يريد إبقاء كل مسألة من هاتين على ما هما عليه ويرى أن المسألة الأولى الدينُ المشترَى فيها
¬__________
(¬1) هكذا في النسختين.