نحن فيه، وراجع إلى ما قدمناه من جريه على الخلاف في أن الصلح الواقع بجنس خلاف جنس الدين كما قدمناهُ.
وكذلك اختلف القول عندنا في صلح الكفيل عن دنانير تحمل بها بدراهم، لأجل ما في هذا الصلح من تخيير الغريم بين دفع الدنانير التي عليه أو جنسًا آخر وهي الدراهم التي دفعها الكفيل عنه. وهذا إذا حل الأجل، وأما قبل حلوله فيتصور فيه الصرف المؤخر؛ لأنا نمنع أخذ دنانير عن دراهم لم يحل أجلها، وتأخيره إذا حل الأجل، هذا هو الأشهر في تعليل الخلاف في هذا. وقد اعتذر ابن حبيب عن كون هذا صرفا بأن قال: من أقرض طعامًا فإن للكفيل أن يصالح عن الغريم بطعام خالفه، ولا يكون هذا بيع طعام بطعام ليس بدَنانير، كما يجوز له أن يصالح عن دنانير تكفل بها بدراهم ولا يكون هذا صرفًا مستأخرًا؛ لأنه إنما يكون صرفًا أو بيعًا لطعام بطعام عند إمضاء الغريم فعل الكفيل والتزامه أن يؤدي ما أُدي عنه، فحينئذ يؤمر بالتناجز، وأما قبل أن يخيّر فيختار إمضاء فعله، فإن الذي في ذمته باق عليه، ومعاملة الكفيل ومستحق الدين (تأخير في طعام) ولا (¬1) في مصارفة. وذكر أن هذا مذهب ابن كنانة، وأشار إلى اختلاف قول ابن القاسم فيه. وقد قيل في هذا إن الغريم إذا رضي بإمضاء فعل الكفيل فإنه يخرج من ذمته الدنانير ويشتري بها الدراهم، فإن قصرت عن مبلغ الدراهم لم يلزم الغريم زيادة، وإن فضل من الدنانير فضلة كانت للغريم، ولا تكون للكفيل لأنه لا يربح فيما اشتراه لغيره، وهذا احتياط للخروج عن صرف فيه خيار.
وقد ذكرنا لك أن شراء الكفيل الدين لنفسه بخلاف شرائه (¬2) فإن وقع الشراء بجنس واحد غير الدين جاز ذلك إذا اشتراه الكفيل لنفسه على صفة ما بيناه واشترطناه، وإن اشتراه الغريم (¬3) كان فيه الخلاف الذي قررناه ونوعناه.
¬__________
(¬1) الكلام على الإثبات، والسياق يقتضي النفي.
(¬2) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: للغريم.
(¬3) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: للغريم.