كان الذي عليه الدين ظاهر الملأ لا يخشى منه لَدَدٌ فإن الأظهر من أقوال مشائخنا أن من حق الحميل أن يطلب من القاضي إخراج هذا الدين ليبرأ من الحمالة، لما قدمناه من كونه يتضرر ببقاء الحمالة عليه أَمَدًا آخر زائدًا على الأمد الذي التزم الحمالة له فيه. ولم يَلتفت ها هنا إلى حق الغائب قد يضيع فتكون مصيبته منه، وقَدَّم مراعاة ضرر الحميل على مراعاة ضرر الغائب لأجل أن المعاقدة إنما كانت على أن الحميل لا مطالبة عليه إلا إلى أجل محدود، وقد سبق حقه في نفي الضرر عنه حق الغائب في اعتبار إخراج دينه من ذمة إلى أمانة، وأصّلنا في الضررين إذا تقابلا أن يعتبر أحدهما فيقدم اعتباره والنظر في إزاحته. وقد ذكر ابن حبيب في هذا أن من عليه الدين إذا كان مليئًا فإنه لا مقال للحميل؛ وهذا لأنه رأى أن الحميل إنما كان له مدخال (¬1) في المطالبة بإخراج هذا الدين من ذمة إلى أمانة، لأجل ما يلحقه من الضرر من تخوف عُدْم الغريم، فتتوجه المطالبة عليه. وإذا كان الغريم لا يُتخوف جانبه في هذا لم يحسن إلحاق الضرر بالغائب بإخراج دينه إلى أمانة مع كون الحميل [لا يظهر وجه تصوره بترك خروج الدين من الذمة، وهذا عندي قد يحسن مع القول: إن الحميل] (¬2) لا يطالب إلا عند تعذر أخذ الدين من الغزيم. وإذا كان الغريم مليئًا غير مُلِدٍّ فكان (¬3) الحميل آمنًا من توجه المطالبة عليه. وأما إذا قلنا بأحد قولي مالك: إن من له الدين من حقه أن يطالب الحميل مع حضور الغريم وملائه، قد يحسن الطريقة الأخرى وهي تمكينه من طلب براءة ذمته حتى لا يبقى لمن له الدين مطالبة عليه. وإذا تقرر هذا وعلم حقيقة توجه طلبه بإخراج الدين من ذمة المدين فإنه إن قبضه من الغريم لم يخل من ثلاثة أقسام:
أحدها أن يقبضه برسالة من له الدين ووكالته على ذلك أو برسالة من عليه الدين ووكالته على إيصاله لمستحقه، أو يقبضه على جهة الرسالة ممن له
¬__________
(¬1) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: مدخل.
(¬2) ما بين المعقّفين زيادة من (ش).
(¬3) هكذا في جميع النسخ ولعل الصواب كان.