الدين أو ممن عليه الدين، فإنه غير ضامن له إن ضاع في يديه لكونه أمينًا لمن وكله، إما مَن له الدين وإما من هو عليه. والوكيل لا يضمن لأنه مؤتمن كالمودع.
وأما إن قبضه على جهة الاقتضاء فإنه يضمن، وإن ضاع في يديه من غير تفريط منه. وبالغ في المدونة في هذا فقال: يضمنه، كان هذا الدين المقبوض مما يغاب عليه أو لا يغاب عليه، ضاع ببينة أو بغير ببينة، قضاه الغريم متبرعًا أو غير متبرع بقضاء من سلطان أو بغير قضاء منه. وأنكر سحنون هذه اللفظة التي وقعت ها هنا وهي قوله "بقضاء من السلطان" لكون السلطان لا مدخل له ها هنا، ونقلها ابن المواز وزاد في النقل أن السلطان إن قضى بذلك فقد أخطأ.
وأشار فضل بن سلمة إلى طريقة أخرى في الاعتذار عنها، فذكر ما حكيناه عن ابن حبيب أن الحميل إذا طلب براءة من الحمالة، وكان الغريم ممن يتخوف ألا يؤخذ منه الدين، فإن من حق الحميل أن يطالب القاضي بإخراجه من ذمة الغريم ويوقفه على يدَ من يشق به، إما هذا الحميل أو غيره. وإشارة فضل بن سلمة ها هنا تقتضي ضمان الحميل إياه وإن كان وقفه عنده القاضي لما طلبه بالإبراء من الحمالة، وكأنه قدر أنه إنما قبضه وقبله من القاضي لمنفعة نفسه، وطلبًا لبراءة ساحته وهو السبب في إخراجه من الذمة، فضمنه بوضع يده عليه مع كونه طلب ذلك لمنفعة نفسه. ولو وقفه القاضي عند غير الحميل، وحكم ببراءة من عليه الدين، لكان ذلك، إن ضاع، في ضمان الغائب. وأشار بعض الأشياخ إلى أن الحميل إنما يضمين هذا إذا قبضه على جهة الاقتضاء؛ لأن معنى الاقتضاء أنه طالب الغريم بأن يسلِّم إليه الدين الذي علية ليبرأ منه، ويكون هذا المطالَب به دونه. وهذا الالتزام ودفع الدين على هذا الشرط يوجب ضمانه على كل حال.
وقوله في المدونة في هذا الجواب "دفعه متبرعًا أو غير متبرع" يعني أنه دفعه بقضية السلطان أو بغير قضية السلطان؛ لأن مطالبة الحميل له به وأخذه منه على جهة الاقتضاء.
ولو تعدى هذا الحميل القابض لهذا الدين على ما قبضه من طعام من سلم تحمل له، فباعه بعد أن أُسلِم إليه تعديًا، فإن المتعدي على سلعة غيره إذا أفاتها