واعتذر عن هذا بعض الأشياخ وقال: إنما قصد بهذا التنبيه على موضع الإشكال، وهو قبضه إياه على جهة الرسالة. وأما قبضه إياه على جهة الاقتضاء فحكم (¬1) ذلك واضح، فكأنه أراد يمكن من هذا، وإن قبضه على جهة الرسالة، لكون قبضه على جهة الرسالة فيه من الإشكال ما ليس في قبضه على جهة الاقتضاء.
وينبغي أن يعلم ها هنا أن من حق رب الدين أن يطلب الكفيل بحكم التعدي، فإن تمكنه من ذلك مع حضور الغريم وملائه يجري على القولين المشهورين، ويمكن من له الدين من طلب الكفيل مع حضور الغريم وملائه.
وأما إن اختار من له الدين طلب الغريم لا الكفيل فإنه يمكن من ذلك، فإذا دفع إليه الغريم الطعام الذي كان من حقه أن يخير بين إغرام رسوله مثل الطعام الذي تعدى له عليه، أو يجبر تعديه ويغرّمه الثمن لأن طلب مثل الطعام حق لمن له الدين ومن عليه الدين، كما قدمناه. وأما طلب ثمنه فإنما منع منه من له الدين لئلا يكون بائعًا للطعام قبل قبضه. ولو اختار من له الدين طلب الكفيل المتعدي على البيع فأغرمه مثل الطعام لكان من حق الغريم باعث الطعام أن يأخذ منه ثمن الطعام الذي بعثه معه ويعطيه مثل الطعام الذي أغرمه من له الدين. وقد يهجس في النفس أن هذا مناقض لما قدمناه من كون تعدي هذا الرسول يوجب حقًا لمن له الدين ومن عليه الدين. فإذا اختار من له الدين طلب الكفيل بغرامة مثل ما تعدى فيه صار إنما باع ما هو على ملكه، لكونه أغرم مثله. لكن بعض حذاق الأشياخ أشار إلى الاعتذار عن هذا بأن باعث الطعام يقول لرسوله: أنت بعت الطعام الذي أنفذتُ معك، وهو في يدك على حكم الوديعة مني لك، فتعلق لي حق عليك في غرامة مثل ما بعثه (¬2) أو ثمنه، فلا يُسقط حق في ذلك غرامة من له الدين مثل الطعام، وقد تقرر لي حق في إجازة
¬__________
(¬1) في ش: وحكم.
(¬2) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: بعته.