كتاب شرح التلقين (اسم الجزء: 2)

أسلم في مائة إِرْدَبٍ قمحًا فلقيه المسلم إليه بعد ذلك فقال له من له السلم: زدني زدني في السلم، فزاده مائة قفيز أدنى يأخذها إذا حل الأجل، أن ذلك جائز. وذكر سحنون عنه أنه كان (¬1) يضطرب فيها فيجيزها تارة ويمنعها أخرى.
وقد أكثر الأشياخ الاعتذار عن هذه المسألة، لأجل أنه قد تقرر أن هبة المديان لا تجوز، لكونها قد تضارع ربا الجاهلية في قولهم: تقضي أو تربي.
فإذا وهب من عليه السلم لمن له السلم هبة فقد يظن بهما أنهما تعاملا على ذلك ليؤخر الدين عن أجله، وقصد المديان ما وهب أن يؤخره من له عليه الدين بما له عليه لأجل ما كارمه به من هبة، وتأخير الدين عن عوض لا يجوز، كما قدمناه.
لكن اعتذر بعض الأشياخ عن هذا في هذه المسألة بأن قال: ذكر في المدونة أن السلم عقد على مائة قفيز، ثم زاده مائة أخرى وهذه الزيادة كثيرة تخرج عن حد ما توهب للتأخير، ولا يهب من عليه الدين مثل الدين الذي عليه ليؤخره به. هذا هو الظاهر في حكم العادة فإذا ظهر من كثرة هذه الهبة ما يدل على أنها لم تجعل عوض التأخير لم يكن للمنع وجه إذا ثبت أنها لم يقصد بها التأخير بالدين.
ومنهم من اعتذر عن هذا بأن من له الدين سأل في الزيادة لأجل أنه اطلع على أنه عين (¬2) فسمح له المديان بها لأجل سؤاله فيها، وما وقع عن سؤال من الموهوب لم يظن بالواهب أنه إنما وهبه له رجاء التأخير. وهذا الاعتذار يقتضي جواز هذه الهبة قليلة كانت أو كثيرة. والاعتذار الأول يقتضي التفرقة بين قليل الهبة وكثيرها.
ومنهم من يشير إلى أن الهبة لما علقت بحلول الأجل لم يمنع، لكون من عليه الدين لم يجب عليه قضاء ما عليه من دين، فلا يفتقر إلى معاوضة على
¬__________
(¬1) كلمة مثبتة في (ش) ساقطة من (و)، (م).
(¬2) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: غُبِنَ.

الصفحة 153