كتاب شرح التلقين (اسم الجزء: 2)

ومما يلحق بالكلام على اختلاف المتبايعين في مكان القبض اختلافهما في جنس المكيلة. فقد ذكر ابن حبيب أنهما إذا اتفقا على أن العقد وقع على مائة قفيز قمحًالأولم يشترط كل واحد منهما عيار بلد بعينه، إنهما يحملان على المكيلة التي يُكتال بها بالبلد الذي وقع العقد به. وإن قال المسلم: بل شرطت مكيلة بلدي، وقال المسلم إليه: بل مكيلة بلدي. فإن القول قول الغارم وهو الذي عليه السلم، وهذا لأجل أن هذا، الاختلاف يفضي بهما إلى اختلاف في مقدار المسلم فيه، هل هو مائة قفيز أو تسعون قفيزًا. وقد قدمنا أن القول قول الذي عليه السلم إذا وقع الاختلاف بعد زمن العقد. وكان بعض أشياخي يرى حملها على مكيلة البلد الذي اشترط قبض الطعام فيه، وهذا لأجل أنه يراه مقتضى العرف والعادة، وبالجملة فالمسألة راجعة إلى ما بسطنا القول فيه في اختلافهما في مقدار المسلم فيه.

والجواب عن السؤال السادس أن يقال:
اختلاف المتبايعين في التسليم على وجهين:
أحدهما: أن يختلفا من الذي يبدأ بتسليم ما عنده.
والثاني: أن يختلفا: هل وقع التسليم أو لم يقع.
فأمّا الوجه الأول، وهو تشاحهما فيمن يبدأ بالتسليم فإن هذه المسألة لا أعرف فيها نصًّا جليًّا لمالك ولا لمن تقدم من أصحابه.
لكن أبا حنيفة ذهب إلى أن المشتري يُجبر أن يبدأ بتسليم الثمن، فبعد تسليمه إياه يستحق قبض السلعة المبيعة.
وذهب الشافعي في الأظهر من كلامه إلى أن البائع يجبر على أن يبدأ بتسليم السلعة، فإذا أسلمها استحق قبض الثمن .. ومن أصحاب الشافعي من يضيف إليه قولين آخرين: أحدهما أنه لا يرى جبر هذا ولا هذالأولكن يُعرِض الحاكم عن النظر بينهما، كأنهما لم يتبايعا، ويمنعهما من التشاجر والتخاصم.

الصفحة 81