حتى إذا تطوع أحدهما بأن يبدأ بالتسليم وسلّم ما عنده قضى على الآخر بتسليم ما عنده.
والثاني: أن الحاكم يقبض الثمن والمثمون، ثم يسلم لكل واحد منهما ما يستحقه، ولا يبالي بمن يبدأ به منهما. وأبو حامد الإسفراييني تردد في هذا النقل: هل ثبتت عن الشافعي هذه الثلاثة مذاهب أو لا يثبت عنه إلا البداية بجبر البائع على التسليم؟ وتردد في هذا الاحتمال كلام الشافعي. فقد صار الخلاف بين هذين الإمامين هل يبدأ بالمشتري ويجبر على التسليم كما قاله أبو حنيفة، أو يبدأ بالبائع فيجبر على التسليم كما قال الشافعي في المذهب الذي اتُّفق على إضافته إليه؟ وأما مذهبنا نحن فإن ابن القصار قال: الذي يقْوَى في نفسي جبر المشتري على البداية بتسليم الثمن أو إعراض الحاكم عنهما، كما قال الشافعي في أحد أقواله، ومال إلى أن البداية بجبر المشتري، كما قاله أبو حنيفة أقوى.
وأما شيخنا أبو محمَّد عبد الحميد رحمه الله، فإنه كان يرى أن المذهب عندنا على قولين:
أحدهما: البداية بجبر المشتري على التسليم، كما قاله أبو حنيفة.
ويخرج هذا من كون الزوج مجبورًا عندنا على دفع الصداق قبل أن تمكنه المرأة من نفسها، وهو المشتري لمنافع البضع. ويخرج ما قاله الشافعي من البداية بجبر البائع على التسليم، من قوله في المدونة: إذا اختلف المكتري وصاحب الدابة في تعجيل الكراء وتأخيره ولم يكن بينهما شرط ولا عادة، فإنه يقضى على المكتري أن يدفع لصاحب الدابة بقدر ما سار. وهذا يقتضي البداية بالبائع في دفع السلعة، قبل أن يقبض الثمن الذي هو الكراء.
ونازع في هذا شيخنا أبو الحسن اللخمي فقال: إن المكتري ها هنا إنما لم يلزم بتعجيل الكراء قبل أن يركب، لأجل أنه لا يمكن أن يقسط الكراء على كل خطوة، لما في ذلك من الحرج والجهل بحقيقة التقسيط وأقل ما يقسط