وقد أشار أبو الحسن المعروف باللخمي إلى طريقة أخرى فقال: إن المحتبسة بالثمن، إنما وقع الخلاف في ضمان البائع لها، وأن المبيع مما لا يغاب عليه، كعبد أو دابة، لأجل أن البيع يختلف فيه، هل هو مجرد العقد، أو البيعُ التقابضُ بعد العقد؛ فإن قلنا: إن البيع مجرد العقد كان الضمان من المشتري، لكونه (لم يقبض) (¬1). وإن قلنا: إنه التقابض لم يضمن المشتري ما احتبسه البائع من الثمن، لكونه لم يقبضه. فمتى قلنا: إن البيع هو مجرد العقد جبر البائع على تسليم السلعة، لحصول حقيقة البيع فيها، ثم يجبر المشتري على إخراج الثمن الذي وقع العقد عليه في ذمته. وإن قلنا: إن العقد هو التقابض حسن في ذلك ما قدمناه من الاختلاف بمن يبدأ بالتسليم، ويرى أن المتبايعين لا مزية لأحدهما على الآخر، وإذا لم يترجح أحدهما على الآخر ولم يكن له عليه مزية لم يتقدم أحدهما على صاحبه، ويؤمران بأن يخرج المشتري الثمن العين من ذمته فينقد ويوزن، ثم يمد يده به إلى البائع، ويمد البائع سلعته ويتقابضان معًا.
وهذا الذي ذكره هو النظر الصحيح إذا لم يكن لأحدهما على الآخر مزية ولا ترجيح، لكن يبعد تصور ذلك وخروجه إلى الوجود؛ لأنهما إذا تلاقت أيديهما فقد لا تمكن المساواة في التقابض في أضيق زمن، وقد يقول أحدهما: أزل يدك عن ثوبك قبل أن أزيل يدي عن كيسي. ويقول الآخر: بل أنت تزيل يدك عن كيسك قبلُ. وتصوّر تقابضهما معًا من غير سبق بحركة من الحركات في التسليم يبعد. ولكن إذا بعُد هذا ولم يتصور، وثبت الأمر به لأحدهما على الآخر، كانت القرعة أَوْلى، كما قدمناه في اقتراع المختلفين في اليمين: من يبدأ منهما؟ ولكنه مع هذا قال: ولو كان المبيع عقارًا فأخلاه من شواغله بائعه، ورفع يده عنه، لكان برفع يده يستحق قبض الثمن.
وهذا أيضًا فيه نظر؛ لأن رفع يده عنه تمكينَ المشتري من قبضه، فإن
¬__________
(¬1) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: عقد.