كتاب شرح التلقين (اسم الجزء: 2)

لم يمكنه فإنه لم يرفع يده، وإن مكّنه فقد برأ (¬1) بالتسليم، وهو غاية المقدور عليه في تسليم العقار وما لا ينتقل. واختار أنه لو كان التعاقد على سلعة بسلعة لم يكن بدّ من تقابضهما معًا، إذ لا مزية لأحدهما على الآخر.
وقد أشار أبو حامد الإسفراييني إلى هذا الذي أشار إليه شيخنا من التفرقة بين أن يكون بيع السلعة بعين أو بسلعة أخرى، فقال: إذا كان المبيع سلعة بسلعة فإنه لا يتصور فيه ما حكيناه عن الشافعي من البداية بالبائع؛ لأن كل واحد من هذين بائع، لكن إنما يتصور فيه القولان الآخران، وهما إعراض الحاكم عن النظر ليهما، أو قبض العوضين منهما، على حسب ما بيناه من مذهب الشافعي.
واعلم أن مدار الخلاف في هذه المسألة على اعتبار ترجيح أحد المتبايعين على الآخر، فإن لم يكن ترجيح فليس إلا التقابض معًا كما قاله شيخنا أبو الحسن إن أمكن ذلك، على بعد إمكانه، أو القرعة بينهما.
وإن ترجّح أحدهما على الآخر قضي له على الآخر، فمن ذهب إلى ترجيح جنبة البائع وقضى له على المشتري بأن يبدأ المشتري بالدفع إليه يقول بأن البائع يقول: من حقنا أن تساويَ بيننا، وسلعتي المبيعة قد تعينت، وها أنا أسلمها، وما في الذمة من الثمن لم يتعين، وإن عينه في يده فله إبداله فلا يتعين إلا بتسليمه إليّ.
وهذا يقتضي ما ذهب إليه أبو حنيفة من البداية بالمشتري في التسليم.
ومن رجّح جنبة المشتري جبر البائع على التسليم أوَّلًا، ويقول: إن المشتري يزعم أن السلعة التي اشترى قد ملكها، وتعين حقه في عَينٍ معينة، وحق البائع عليه شيء في الذمة لم يتعين، فلا يؤخر عنه قبض ما تعين حقه فيه، فإذا لم يؤخر عنه قبض ما تعين حقه، وجب أن يبدَّأ بالبائع، ويقضَى على
¬__________
(¬1) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: بَرِئَ.

الصفحة 85