هذا حكم إنكار المشتري قبض السلعة المبيعة.
وأما إنكار البائع قبض الثمن، فإن الأصل في هذا المعتمد عليه ما كنا أشرنا إليه من استصحاب الحال، وكون ذمة المشتري عامرة بدين وهو الثمن، والأصل أنه لم يدفعه، ولا خلت ذمته منه، فإن ادعى أنه قد دفعه فعليه إثبات ذلك. لكن أيضًا اتفق المذهب ها هنا على اعتبار حكم العادة، فصدق المشتري فيما العادة التبايع فيه بالنقد في الأسواق، كالخبز والزيت والبقل، وغير ذلك مما يباع على النقد. فإذا تسلم المشتري المبيع، وبأن به، صدق في دفع الثمن بشهادة العادة له بصدقه، وأنه لا يمكّنه البائع من فراقه بعد القبض للمبيع إلا وقد دفع إليه الثمن. وهذا لم يختلف فيه المذهب لاتضاح العادة الدالة عليه.
لكن اختلف ابن أبي زمنين ويحيى بن عمر في هذا الجنس الذي يباع فيه قليله بالنقد، لو اشترى منه الكثير هل يصدق المشتري في دفع الثمن، كما صدق في القليل أم لا؟ فذهب ابن أبي زمنين إلى تصديقه. وذهب يبيح ابن عمر إلى أنه لا يصدق.
وهذا منهما اختلاف في شهادة بعادة فلو اتضحت العادة، بأن الكثير من الخبز والزيت والبقل لا يباع إلا بالنقد، كما يباع القليل من ذلك، لما اختلفا فيه.
وأمّا ما سوى هذا مما يباع على غير النقد، فإن القول قول البائع أنه لم يقبض الثمن، لما قدمناه من كون ذمة المشتري عامرة بالثمن، ولا بينة له على البراءة، ولا عادة تشهد وتصدقه، فوجب مطالبته بإثبات ما ادعاه من البراءة من الثمن المتقرر في ذمته، وهذا ما لم يطل الزمن بعد العقد طولًا تشهد العادة بكذب البائع في أنه لم يقبض الثمن، فيصدق حينئذ المشتري لشهادة العادة له.
والتحقيق أن هذا الطول غير محدود ولا مقدر إلا بحسب ما تجري به العادة في سائر الجهات، ومن اختلاف أجناس التجارات. وإن كان ابن حبيب ذكر عن مالك أن الحيوان والعقار بخلاف البَزّ وغيره مما يباع على التقاضي.