يصدق من ادعاه. وهذا الذي قاله صحيح على مقتضى أصل المذهب الذي قررناه مرارًا من الاستشهاد بالعوائد. وقد نص ابن المواز على أنهما إذا اختلفا في الصحة والفساد، وفي مقدار الثمن، أنهما يتحالفان ويتفاسخان. وهذا هو الذي قدمناه عن المشهور من المذهب أنه لا يراعي دعوى الأشبه في الاختلاف في الثمن مع قيام السلعة، فأجراهما ابن المواز ها هنا على حكم الاختلاف في مقدار الثمن خاصة، مع اتفاقهما على صحة العقد، مع كون دعوى الأشبه لا تعتبر كما بيناه.
وقد وقع بين الأشياخ تنازع في هذا الذي قاله ابن المواز، فبعضهم رأى أنه مذهب صحيح، وهو البخاري على أصل المذهب، وهو الذي يدل على صحة عموم الحديث، وهو قوله عليه السلام: "إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع" الحديث الذي تقدم ذكره مرارًا. ولم يفرق في هذا الحديث بين كون أحدهما ادعى مع هذا صحة أو فسادًا بل ذكر البداية بالبائع عمومًا. وخالفه غيره في هذا، ورأى أن أصول الشرع تقتضي الطرد عن الأيمان عند التخاصم والتحاكم، ما أمكن، لئلا يكون من ألزمناه اليمين كاذبًا، فيحمله على الإثم.
فإذا كان البائع المخالف من الثمن هو مدعي الفساد وجب أن يبدأ به، أخذًا بعموم الحديث. فإن حلف استحلف المشتري وانفسخ البيع بتحالفهما، وإن بدّأ بالبائع المدعي للفساد، على ظاهر الحديث، فنكل، حلف المشتري وصح البيع بالثمن الذي ذكر، ولم يفسخ. وإن نكلا جميعًا فسخ البيع على حسب ما قدمناه في بيان حكم تناكلهما جميعًا.
وأمّا إذا كان البائع هو مدعي الصحة والمشتري هو مدعي الفساد، فإنا نبدأ ها هنا بالمشتري لأنه إن حلف فسخ البيع بمجرد يمينه من غير مطالبة للبائع باليمين؛ لأنه لو طلبناه بها فحلف فلم يفده إلا فسخ البيع، وفسخ البيع قد ثبت بيمين المشتري عليه، فلا يحسن إذا حلف المشتري المدعي للفساد أن يطالب البائع بيمين لا تفيد شيئًا، ويدعى إلى ما هو لغو غير مفيد، وقد يكون فيه آثمًا إن كان كاذبًا. فلما تصور ها هنا أن البداية بمدعى الفساد، بائعًا كان أو مشتريًا،