كتاب شرح التلقين (اسم الجزء: 2)

الضابط: الحقيقة في هذا أن الأصل براءة الذمة، ولا تعمر إلا بدليل يوجب تعميرها. وقد علمت أن الطرفين اللذين ذكرناهما، وهما اشتراط الوكيل البراءة من الثمن أو التزامه له، متفق عليهما، ويبقى النظر فيما بين هذين الطرفين، فإن كانت العبارة الصادرة من الوكيل: بعثني إليك فلان لتبيع منه، فإن هذا يقتضي أنه غير مطلوب بالثمن، لكونه قد (¬1) أسند البيع إلى الموكِّل. وإن عبر عن هذا بأنه قال: بعثني لأشتري منك. كان مطلوبًا بالثمن؛ لأنه قد يراد بهذه العبارة أنه دلّنِي على الشراء منك لنفسي. فلا يسقط عنه ما يوجبه مقتضى العقد من مطالبة المشتري بالثمن.
وإن كانت العبارة: لأشتري له؛ أو ما في معنى هذا، كان هذا على القولين المذكررين عن كتاب ابن المواز، وعن المبسوط. على أنا إذا قلنا: إن الخلاف في هذا يستند إلى النظر في البيع، هل هو التعاقد أو التقابض، كان ما وقع في المبسوط خلافًا لما وقع في الموازية. وإن قلنا: إنّه يلتفت في هذا إلى العرف والمقاصد، أمكن أن يقال: إنه إذا وكِّل على شراء بالنقد، فقد دفع إليه النقد على مقتضى غالب العادة، فلا يصدق في أنه لم يدفع إليه. وإذا دفع النقد، وظهر فيه زيوف يمكن أن لا يكون علم بها، فإنه قد ادعى من هذا ما يمكن والبدل لم يقتضه حكم العقد في غالب العادة. ولو أنكر المسلم قبض الثمن والعقدَ، فإنه يحلف ويبرأ، ويسقط عنه السلم.
واختلف في غرامة الوكيل الثمنَ الذي دفعه بغير إشهاد حتى جحده القابض، فقيل: يغرم؛ لأنه كمتلف رأس المال على من وكله. وقيل: لا غرامة عليه. وقد علم أنه لو شرط له أن لا يدفع إلا ببينة، فدفع بغير بينة، أنه ضامن، لتعَدِّيه ما أَذِن له فيه. ولو شرط أنه يدفع بغير إشهاد لم يضمن لرِضا رَبِّ المال له بذلك. فإذا لم يشترط أحدَ الوجهين فعلى ماذا يحمل أمر الوكيل منهما، هذا منشأ الخلاف.
¬__________
(¬1) بياض بالأصل، قدرنا أنه: (قد أسند).

الصفحة 94