كتاب شرح التلقين (اسم الجزء: 2)

يتصرف في مال أحد إلا على حسب ما أذن له فيه الشرع، وإن أذن له فيه المالك. وهذا يقتضي نص الوكيل على مقدار ما أذن له فيه. فإذا وكِّل على أن يُسْلِم في طعام، فأسلم إلى نفسه، أو من في معنى نفسه، فإن هذا مما يتعقب عليه، لتطرق التهمة إليه. فأمّا إسلامه إلى نفسه، فالمعروف من المذهب عندنا منعه من ذلك، لاتضاح التهمة فيه، وكون الموكل يستشعر منه أنه إنما وكله على إسلام ماله لمن يَستقْصِي في الاجتهاد في مماكسته، واستصلاح ما يعقد منه، ولا يمكن في العادة أن يؤثر أحد على (¬1) أحد على نفسه.
وقد اتفق على أن رب المال لو صرح حين الوكالة بأني إنما أوكلك على أن تُسْلم إلى من سواك، فإنه ممنوع أن يسلم إلى نفسه، ومتعدٍّ في ذلك إن فعله. ولو صرَّح له، بأني وكلتك أن تسلم إلى من شئتَ حتى نفسك؛ لكان له أن يسلم إلى نفسه، ويكون الموكّل كالواهب له بعض ماله، إن نَقَصَ في الاجتهاد وحابى نفسه.
وإن لم يصرح بهذا ولا هذا وأطلق القول فَعلى ماذا يحمل؟ ها هنا يحسن الخلاف، فالمعروف من المذهب المنع كما قدمناه. وقال أبو محمَّد عبد الوهاب في الوكيل إذا باع واشترى بأثمان لا محاباة فيها فإن ذلك جائز. فلعلّه قدر أن إتيانه بثمن يُستدل به على أنه لو لم يبالغ في الاجتهاد لم يأت إلا بأقل منه يرفع عنه التهمة، وتطيب نفس الموكل عليه. فلهذا أمضاه.
وقد وقع في المذهب ما يدل على اضطراب في هذا الأصل إذا فعل ذلك الموكل، هل هو يجري على أحكام الغاصب في فعله، أو على أحكام من فعل شيئًا بوجه شبهة؟ وضبط المذهب في هذا أنه إذا لم تفت السلعة التي باعها من نفسه، ولا تغيرت في ذاتهالأولا في سوقها، فإنه من حق الموكل أن يستردها، ويفسخ عقده فيها، إلا ما ذكرناه عن القاضي أبي محمَّد عبد الوهاب من إمضاء ذلك، على التفصيل الذي حكيناه عنه. وإن لم يشعر بذلك الموكّل حتى فاتت
¬__________
(¬1) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: أحدٌ أحدًا ...

الصفحة 99