كتاب كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وأثرها في حفظ السنة النبوية
المبحث الثاني: مما كتبه وصنفه الصحابة
قد سبق أن ذكرت أن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قد أذن له الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يكتب عنه كل ما يصدر منه في كافة أحواله من الغضب والرضا، وأن العلماء استدلوا بهذا على جواز ذلك أيضًا لغير عبد الله ابن عمرو من الصحابة.
وقد جاء عن عبد الله بن عمرو نفسه ما يفيد وقوع ذلك فعلاً، فعن أبي قبيل المعافري قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- وسُئِل: أي المدينتين تفتح أولاً: القسطنطينية (1) أو رُومِيَّة؟ (2) ، قال: فدعا عبد الله بن عمرو بصندوق له حَلَق، قال: فأخرج منه كتابًا فجعل يقرؤه، قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً: قسطنطينية أو رومية؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل مدينة هرقل أولاً تفتح" (3) يعني القسطنطينية.
__________
(1) هي «إسطنبول» الموجودة في تركيا، حاليا. ينظر: معجم البلدان لياقوت (4/ 247) .
(2) ذكر ياقوت الحموي أن «رومية» تطلق على بلدتين إحداهما تقع شمال غربي القسطنطينية السابق ذكرها، والثانية بالمدائن – يعني من بلاد فارس. ينظر: معجم البلدان 3/ 100.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/329- 330 كتاب) الجهاد، واللفظ له، والباقون بنحوه.
وأحمد في المسند (2/176) حديث (6645) .
والدارمي في سننه (1/133) حديث (492) كتاب العلم.
والحاكم في المستدرك (4/ 422، 555) كتاب الفتن.
أربعتهم من طرق، عن يحيى بن أيوب عن أبي قبيل – حيي بن نافع المعافري – عن عبد الله بن عمرو، به. وصححه الحاكم في الموضع الأول على شرط الشيخين، وفي الموضع الثاني قال: «صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي في الموضعين.
وأخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر (285) بتحقيق الأخ الدكتور علي عمر -حفظه الله- من طريق سعيد بن عفير عن يحيى بن أيوب به.
وقال الذهبي: «هذا حديث حسن غريب» السير (3/87) .
الصفحة 10
46