كتاب كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وأثرها في حفظ السنة النبوية
كما أن هذا يدل على أن ما كتبه عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن صحيفته المشهورة فقط، والتي كان يعتز بها، ويسميها (الصادقة) كما سيأتي ذكره، ولكن كان ما كتبه عنه صلى الله عليه وسلم أكثر، بحيث احتاج في حفظه وصيانته إلى صندوق له حَلَق مما يدل على أنه كان كبير الحجم.
وقد حكم الذهبي بتحسين حديث الصندوق المذكور، ثم قال: "وهو دال على أن الصحابة كتبوا عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض أقواله…، ثم قال: وكتبوا عنه كتاب الديات، وفرائض الصدقة، وغير ذلك" (1) .
وقال أيضًا عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-:"وكَتَبَ الكثيرَ بإذن النبي صلى الله عليه وسلم وترخيصه له في الكتابة بعد كراهيته للصحابة أن يكتبوا عنه سوى القرآن، وسوَّغ ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثم انعقد الإجماع بعد اختلاف الصحابة -رضي الله عنهم- على الجواز والاستحباب لتقييد العلم… ثم قال الذهبي أيضًا: والظاهر أن النهي كان أولاً لتتوافر هممهم على القرآن وَحْدَه، وليمتاز القرآن بالكتابة عما سواه من السنة النبوية، فيؤمن اللبس، فلما زال المحذور واللبس ووضح أن القرآن لا يشتبه بكلام الناس، أذن في كتابة العلم، والله أعلم" (2) .
وقد تقدم أن مجمل مرويات عبد الله بن عمرو بن العاص بلغت (700) حديث أو أقل، ولو أننا استعرضنا ما توافر لدينا من أدلة معتد بها على ما كتبه عبد الله بن عمرو بنفسه، وما كتبه عنه بعض من سمع منه، فسنجد أن ذلك يكوِّنُ نسبة غير قليلة من مجموع ما تقدم ذكره من أحاديثه المدونة في كتب الحديث الأصلية من الصحيحين والسنن والمسانيد وغيرها.
__________
(1) سير أعلام النبلاء (3/87- 88) ونصب الراية للزيلعي (2/335، 344) .
(2) السير (3/ 80- 81) .
الصفحة 12
46