كتاب كتابة السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وأثرها في حفظ السنة النبوية

وقول ابن بطال: ويحتمل أن يكون همام وَهِمَ، تبعه عليه جماعة. وليس لهمام ذكر في هذا الإسناد. وقوله إنه ليس في الحديث مناسبة للترجمة صحيح، وإن كان غيره تكلف، فأبدى بينهما مناسبة كما سنذكره.
والصواب أن البخاري في الغالب يذكر الشيء كما سمعه جملة لتضمنه موضع الدلالة المطلوبة منه، وإن لم يكن باقيه مقصودا، كما صنع في حديث عروة البارقي في شراء الشاة كما سيأتي بيانه في الجهاد، وأمثلة ذلك في كتابه كثيرة. وقد وقع لمالك نحو هذا في "الموطأ"؛ إذ أخرج في باب صلاة الصبح والعتمة متوناً بسند واحد أولها "مر رجل بغصن شوك" وآخرها "لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبواً" وليس غرضه منها إلا الحديث الأخير، لكنه أوَّلها على الوجه الذي سمعه. قال ابن العربي في القبس: نرى الجهال يتعبون في تأويلها، ولا تعلق للأول منها بالباب أصلا. وقال غيره: وجه المناسبة بينهما أن هذه الأمة آخر مَنْ يدفن من الأمم في الأرض، وأول من يخرج منها، لأن الوعاء آخر ما يوضع فيه أول ما يخرج منه، فكذلك الماء الراكد آخر ما يقع فيه من البول أول ما يصادف أعضاء المتطهر، فينبغي أن يجتنب ذلك. ولا يَخْفى ما فيه.
وقيل: وجه المناسبة أن بني إسرائيل، وإن سبقوا في الزمان، لكن هذه الأمة سبقتهم باجتناب الماء الراكد إذا وقع البول فيه، فلعلهم كانوا لا يجتنبونه. وتعقب بأن بني إسرائيل كانوا أشد مبالغة في اجتناب النجاسة

الصفحة 57