كتاب كتابة السنة النبوية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وأثرها في حفظ السنة النبوية

حديث ولا يعرف كثير من المتعلمين فضلاً عن العامة أن الذي يُكَوِّن هذا العدد الضخم هو كثرة المتابعات والشواهد التي عني بها المحدثون، فحديث: "إنما الأعمال بالنيات" يروى من سبعمائة طريق فلو جردنا مجاميع الحديث من هذه المتابعات والشواهد لبقي عدد قليل (1) من الأحاديث، وقد صرَّح الحاكم أبو عبد الله الذي يعتبر من المتسامحين المتوسعين أن الأحاديث التي في الدرجة الأولى لا تبلغ عشرة
آلاف (2) ". أ.?.
وأنا أرجح هذا الرأي وهو كتابة الحديث في القرن الأول؛ لأن أهل القرن الأول هم حلقة الاتصال بالنسبة لمن بعدهم من أصحاب القرون التالية الذين انتقلت على أيديهم السنة، وأهل العهد الأول وإن كانت الأحاديث المدونة عنهم يظن أنها قليلة إلا أنها صحيحة كلها لا يداخلها شك، إذ لم يكن الكذب أو الوضع قد شاع فيهم كالذين جاؤوا من بعدهم فهم عدول وهم خير القرون وما من شك فيما كانوا عليه في العهد الأول من المنزلة العالية في الحفظ والضبط، وليس هذا غريباً على قوم انحدروا من أصلاب آباء كانوا قمماً عالية في الحفظ والإتقان، ولكن مع هذا فقد كتب بعضهم الأحاديث فكان وصولها إلى القرون التالية شفاهة وتحريراً وهذا أقوى وأوثق، يقول ابن الصلاح: "ولولا تدوينه
__________
(1) أي بالنسبة إلى ضخامة عدد الأحاديث المروية فالقلة نسبية.
(2) القرآن والنبي، للدكتور عبد الحليم محمود ص337، ص338 عن "تدوين الحديث".

الصفحة 30