كتاب أعلام السيرة النبوية في القرن الثاني للهجرة
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين، وصحابته المنتجبين، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن السيرة النبوية العطرة، كانت على الدوام محلَّ اهتمام الأمة، ولاسيما في القرون الثلاثة الأُوَل؛ لأن صاحب السيرة قمة البشرية، وأسوة الإنسانية، ومحور مسيرتها إلى نهايتها.
وقد تعلق الصحابة رضوان الله عليهم برسول الله صلى الله عليه وسلمتعلقاً كبيراً، فاستنارت به جنبات وجودهم ومكونات أفئدتهم، ولما التحق بالرفيق الأعلى وتوفاه الله إليه، شعروا وكأن الدنيا أظلمت عليهم، فعاشوا النموذج الأسمى فيه عليه الصلاة والسلام حياتهم، إذ كان لكل واحد منهم معه موقف بل مواقف، ورووا أيامه الغراء لأبنائهم، وورثوها لهم، أعلاقاً نفيسة تصان، ودرراً غالية تحفظ، في حنايا القلوب، وأعماق المشاعر والعقول، مناراً للأجيال، ومعالم هادية للحياة، وموازين عادلة للمسالك.. ولاسيما وأقباس من هذه السيرة يتلونها قرآناً في محاريبهم، ويتقربون به كلاماً قدسياً إلى ربهم آناء الليل وأطراف النهار، فتثور ذكرياتهم ويعيشون الماضي حاضر أيامهم..
ولهذا كانت تهب عليهم رياح الذكريات في غدوهم ورواحهم، ويَرَون ما حولهم فيذكِّرهم كل شيء بأيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحرصون حرصاً شديداً على تدوين تلك اللحظات النبوية المضيئة، والمشاهد الشريفة، ويشجع الآباء أبناءهم على حفظها وروايتها للآتين، والاعتزاز بها في العالمين.
فعبد الله بن الزبير، يرتمي في أحضان والده حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمدّ
الصفحة 1
72