كتاب تدوين السنة النبوية في القرنين الثاني والثالث للهجرة

فعروة بن الزبير ولا تشأ أن تُفَجِّر من عبيد الله بن عبد الله بحراً إلا فجرته؛ قال: ثم يقول لي عراك بن مالك: وأعلمهم عندي جميعا ابن شهاب فإنه جمع علمهم جميعا إلى علمه " (1) .
وقد أمر عمر بن عبد العزيز بكتب ما جمعه الزهري من الحديث في دفاتر ودواوين وبعث بها إلى الأمصار الإسلامية حسبما روى ابن عبد البر عن ابن شهاب نفسه قال: "أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفترا دفترا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا" (2) .
وبإمكاننا الجزم بأن للزهري في هذه القضية فضلا من جهتين فضل السبق إلى التدوين وفضل التفرد بإنجازه، ولهذا قال إبراهيم بن سعد: "إن أول من وضع للناس هذه الأحاديث ابن شهاب" (3) ، ومثله قال مالك وقد تقدم، وكان الزهري يقول: "لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني" (4) .
وأما عن تفرده فقد شاع عند كثير من الدارسين اعتقاد بأن عمر بن عبد العزيز حينما أراد أن يدون السنة كاتب العلماء والولاة في ذلك، وكان شأن الزهري في ذلك شأن غيره من العلماء (5) .
ولكن الصحيح في ذلك هو أن عمر اعتمد اعتمادا كليا على الإمام الزهري الذي كان يقيم معه في عاصمة الخلافة، وكانت كتبه إلى الآفاق
__________
(1) الفسوي: المعرفة والتاريخ 1: 622.
(2) الفسوي: المعرفة والتاريخ 1: 91-92.
(3) الفسوي: المعرفة والتاريخ 1: 633.
(4) الرسالة المستطرفة ص 4.
(5) انظر على سبيل المثال: مصطفى السباعي: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 104- عجاج الخطيب: أصول الحديث علومه ومصطلحه ص 177- 178.

الصفحة 10