كتاب تدوين السنة النبوية في القرنين الثاني والثالث للهجرة

لأجل الاستعانة بها فقط، ومن الأدلة على ذلك عدم ثبوت وصول كتاب إلى الزهري من عمر في ذلك في مقابل اشتهار كتابه إلى ابن حزم، بالرغم من عدم تمكنه من إرسال أي شيء إلى عمر وضياع تلك الكتب كما مر، فكيف يعقل أن يشتهر كتاب عمر، لابن حزم، ولا ينقل - فضلا عن أن يشتهر - كتابه لابن شهاب؟.
إنه الدليل الواضح على أن الزهري كان هو القائم بأمر التدوين وأن غيره ممن كوتب فلأجل أن يساعده فقط.
وتفيد الروايات أن هذه المدونات انتشرت في البلاد الإسلامية انتشاراً واسعاً وتداولها طلبة العلم، ومن ذلك ما روي أن إسحاق بن راشد قدم الري فجعل يقول: أخبرنا الزهري، فسئل: أين لقيته؟ فقال: "لم ألقه، مررت ببيت المقدس فوجدت كتابا له ثم" (1) . وورد أيضا أن حديث الزهري عن أنس في الصدقات الذي رواه عنه سلمة بن عمرو القاضي جاء في آخره: "هذا كتاب ابن شهاب الزهري بخطه فيما أخبرني به أبو عمرو الأوزاعي عنه" (2) .
كما يظهر من جهة أخرى أن كثيرا من هذه المدونات بقيت في دار الخلافة بعد وفاة الزهري في خلافة هشام ويزيد من بعده، فكان ينتفع بها طلاب العلم ويروون منها، ويذكر علي بن المديني فيمن روى منها الوليد بن محمد الموقري (3) .
واستمر الأمر على هذا الحال إلى أن حملت من دار الخلافة عند مقتل الوليد بن يزيد سنة 126هـ ولا يعلم مصيرها بعد ذلك. أخرج ابن سعد
__________
(1) الحاكم النيسابوري: معرفة علوم الحديث ص 110.
(2) ابن طاهر المقدسي: أطراف الغرائب والأفراد للدارقطني ورقة 85.
(3) الجرح والتعديل ج9: 15.

الصفحة 11