كتاب تدوين السنة النبوية في القرنين الثاني والثالث للهجرة

عن معمر قال: "كنا نرى أنا قد أكثرنا عن الزهري حتى قتل الوليد بن يزيد فإذا الدفاتر قد حملت على الدواب من خزائنه، يقول: من علم الزهري" (1) .
وأما من الناحية المنهجية والنقدية - وهما أهم ما ينبغي الوقوف عنده في هذه القضية - فقد توافر في هذا التدوين أمران اثنان هما الشمول والتوثيق.
فبخصوص الأمر الأول يمكن القول بأن السنة وإن كتبت قبل هذه الفترة أي في زمن الصحابة والتابعين فإنه لم يراع في كتابتها بُعد الشمول أو الاستقصاء، ويتبين هذا من خلال ما وصلنا من مدونات الصحابة في الحديث حيث نجد أن صحيفة علي بن أبي طالب مثلا لم تشتمل إلا على أحاديث متعلقة ببعض الأحكام الشرعية، هي أحكام الدِّيات ومقاديرها وأصنافها وحكم تخليص الأسير من يد العدو، وبعض أحكام القصاص وغيره.. (2) ، ومثل هذه الصحيفة باقي الصحائف الأخرى.
وكان الشائع عند طلاب الحديث في عصر الزهري تدوين بعض الحديث فقط كأحاديث الأحكام الشرعية مثلا، أما الإمام الزهري فكان يكتب - وهو ما يزال في مرحلة الطلب - كل ما تتلقفه أذناه من الحديث النبوي، سواء أتعلق الأمر بأحاديث الأحكام أم بغيرها من أبواب الدين وميادينه، ويؤكد هذا ما رواه الخطيب البغدادي وابن عبد البر في جامعيهما عن أبي الزناد قال: "كنا نكتب الحلال والحرام، وكان الزهري يكتب كل ما سمع، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس" (3) .
(1) الفسوي: المعرفة والتاريخ ج1: 638 – أبو نعيم الحلية ج3: 361.
(2) انظر فتح الباري 1: 204-205.
(3) الخطيب: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2: 188 – ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 1: 88.

الصفحة 12