كتاب تدوين السنة النبوية في القرنين الثاني والثالث للهجرة

"وجدنا الحديث عند أربعة: الزهري وقتادة والأعمش وأبي إسحاق، وكان قتادة أعلمهم بالاختلاف وكان الزهري أعلمهم بالإسناد… " (1) .
ويُرْوى عنه الكثير مما يدل على معرفته بصحيح الروايات وجيدها ودقة علمه بمخارج السنن وتمييزه لصحيحها من سقيمها، ومن ذلك توقيه الرواية عن أهل العراق، وتحذيره منها، بقوله: "إذا سمعت بالحديث العراقي فاردد به ثم اردد" (2) ، ويروي عنه النعمان بن راشد فيقول: "سمعت ابن شهاب يحدث بحديث يزيد بن أبي أنيسة فقلت: يا أبا بكر من حدثك بهذا؟ قال: أنت حدثتنيه، ممن سمعته؟ فقلت: رجل من أهل الكوفة، قال أفسدته، إن في حديث أهل الكوفة دغلا كثيرا" (3) .
وقد كان كلام الزهري هذا من أهم ما اعتمده المحدِّثون في تضعيف رواية أهل العراق.
فكان تعيين الزهري - وهو بهذه المنزلة - على رأس القائمين بتدوين السنة كافيا بأن يجعلها تخضع لمقاييس محدودة مضبوطة منع معها تسرب الموضوع إليها، ويؤكد هذه الحقيقة قول الزهري وهو يشرح البواعث على قيامه بالتدوين: "لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها لا نعرفها ما كتبت حديثا ولا أَذِنْتُ في كتابته" (4) .
__________
(1) الخطيب: الجامع 2: 293-294.
(2) الفسوي 2: 757.
(3) الفسوي 2: 760، الخطيب 2: 287، وانظر في ذمه لرواية أهل العراق: ابن عدي: الكامل 1: 70، ابن سعد: الطبقات (القسم المتمم) 171، البيهقي: معرفة السنن والآثار 1: 63.
(4) الخطيب: تقييد العلم: 107-108.

الصفحة 15