كتاب تدوين السنة النبوية في القرنين الثاني والثالث للهجرة

محمد بالإضافة إلى ما سبق - ثقة رفيعا عالما فقيها إماما ورعا كثير الحديث (1) .
وإذا أخذنا نفحص الروايات المتعلقة بجمع أبي بكر بن حزم - وهي قليلة جدا - نجد أنها تثبت قيامه بمهمة الجمع هاته: فقد أخرج الفسوي بإسناده عن ابن وهب عن مالك أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن عمرو ابن حزم أن يكتب له العلم من عند عمرة بنت عبد الرحمن والقاسم بن محمد فقلت لمالك: السنن؟ قال: نعم، قال: فكتبها له" (2) .
وليس يثبت من خلال ما وصَلَنَا من الروايات أن أبا بكر أرسل شيئا من ذلك إلى عمر بن عبد العزيز، بل صَرَّح الإمام مالك في إحدى الروايات عنه أن عمر توفي قبل أن يبعث إليه أبو بكر بما كتبه (3) ، وأما عن مصير تلك الكتب فقد سأل مالك عبد الله بن أبي بكر فقال: ضاعت (4) .
ولم يكن هناك ما يمنع الزهري من القيام بعمله على أحسن وجه، بالرغم من ضياع ما كتبه ابن حزم، وذلك بحكم ما عُرِفَ عنه من سعة العلم بالحديث، ولا سيما حديث المدنيين والحجازيين؛ فقد روى الفسوي عن جعفر بن ربيعة قال: قلت لعراك بن مالك: من أفقه أهل المدينة؟ قال: "أما أعلمهم بقضايا رسول الله وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان وأفقههم فقها وأعلمهم بما مضى من أمر الناس فسعيد بن المسيب، وأما أغزرهم حديثا
__________
(1) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب لابن حجر ج8: 300.
(2) الفسوي: المعرفة والتاريخ ج1: 644- 645، وانظر تقدمة الجرح والتعديل ص 21.
(3) الفسوي: المعرفة والتاريخ ج1: 443، وانظر التمهيد ج1: 80.
(4) الفسوي: المعرفة والتاريخ ج1: 645.

الصفحة 9