كتاب مصادر السيرة النبوية

المحدثين رغم دقة شروطهم في التوثيق، ورغم نظرتهم لهم بأنهم محدثون مادتهم الأحاديث، وليسوا إخباريين مادتهم الأخبار، والنقاد يتشددون في مادة الحديث كثيراً، ويتساهلون في قبول الأخبار، فإن هذا التوثيق يعطي كتاباتهم في السيرة قيمة علمية كبيرة.
لقد حفظ الله تعالى سيرة نبيه صلى الله عليه وسلم من الضياع والتحريف، والمبالغة والتهويل، بأن هيأ لها جهابذة المحدثين ليعنوا بها، ويدونوا أصولها الأولى، قبل أن تتناولها أقلام المؤرخين، والقصاصين. وهذه ميزة لمصادر السيرة لم تتوافر لغيرها من كتب التاريخ والأخبار وتبرز هذه الميزة لكون المحدثين ثقات مأمونين في الرواية، لكونهم علماء لهم مناهج واضحة في نقد الروايات سنداً ومتناً، ولهم أسلوب يتسم بالجدية والبعد عن الحشو والمبالغة (1) حقاً لقد كانت المرحلة الأولى من مراحل الاهتمام بالسيرة النبوية، مرحلة التأسيس العلمي الأصيل لمصادر وأوعية معلومات السيرة النبوية، واتسمت هذه المرحلة بالرواية الشفهية، وبث أخبار السيرة عن طريق التلقي في الكتاتيب أو في المساجد أو في المجالس العلمية. ثم تلت هذه المرحلة مرحلة التأليف المبكر في السيرة، والتي فقدت أغلب مؤلفاتها، ولكن جاءت مرحلة تالية حفظت لنا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
القسم الثاني:
مرحلة التأليف في السيرة النبوية، وهذه المرحلة تنقسم إلى قسمين كبيرين ومهمين، هما:
__________
(1) أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة. ج1/ص65.

الصفحة 18