كتاب مصادر تلقي السيرة النبوية

لقد حفظ الله تعالى هذه الأخبار عن نبيه صلى الله عليه وسلم من الضياع والتحريف، والمبالغة، والتهويل، بأن هَيَّأ لها جهابذة المحدثين ليعتنوا بها، ويدونوا أصولها الأولى، قبل أن تتناولها أقلام المؤرخين، والقصاصين، وهذه ميزة لمصادر المغازي والسيرة النبوية وكتبها المتخصصة لم تتوافر لغيرها من كتب التاريخ والأخبار (1) .
والحقيقة أن هذه المصنفات الأولى لهؤلاء الأعلام، معظمها مفقود كمدونات، لكن الجيل الثاني حفظها عنهم، واعتمد عليهم، ونقل كثيراً عنهم بطريق الأسانيد، طبقة بعد طبقة، وجيلاً بعد جيل، وكانت هذه هي الأساس للمصنفات التي جاءت بعدها (2) .
كانت هذه البدايات في المدينة المنورة ضمن دراسة الحديث مع إعطاء جانب المغازي عناية خاصة، ثم تطور هذا الأمر إلى الأخذ بعين الاعتبار، حياة الرسول صلى الله عليه وسلم على نحو يتجاوز الاقتصار على نواحي التشريع (3) .
وسميت هذه الدراسات الأولى لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم باسم المغازي، وتعني لغوياً غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وحروبه ولكنها كما أشرت تناولَتْ في الحقيقة فترة الرسالة كلها (4) .
ثم تَقَدَّمت كتابة السيرة خطوة كبيرة، إذ دون بعض التابعين وتابعوهم من الحفاظ معظَم ما ورثوه عن أسلافهم الصحابة رضي الله عنهم ممَّن لهم عناية بهذه الأخبار (5) .
__________
(1) السيرة النبوية الصحيحة: 1/65.
(2) بتصرف، انظر السيرة النبوية الصحيحة: 1/66.
(3) نشأة علم التاريخ عند العرب: ص:20.
(4) نشأة علم التاريخ عند العرب: ص:20، مغازي الواقدي: 1/19.
(5) المغازي الأولى ومؤلفوها: ص: و.

الصفحة 45