كتاب جهود علماء المسلمين في تمييز صحيح السيرة النبوية من ضعيفها

حكايات لوقائع وحوادث، وهذه الحوادث تكون متلاحقة، والرواة لها ليسوا كلهم في مرتبة واحدة من الحفظ والضبط، فيحفظ بعضهم ما لم يحفظ غيره، ويروي بعضهم ما لا يرويه غيره. ولهذا نص المحدثون على ضرورة استقصاء طرق الخبر وتتبع أسانيده التي ورد بها، حتى يمكن حصر صيغه واستكمال وقائعه وأجزائه. فكل إسناد من أسانيد الحديث الواحد لا يخلو في الغالب من فوائد وزيادات في نص الحديث ومتنه. فأسانيد الخبر تتعدد بتعدد رواة ذلك الخبر ونقلته، والرواة والنقلة يختلفون في الحفظ والاستيعاب، وقد ينقل بعضهم ما غفل عنه الآخر، ولا سيما في نقل الأحاديث الطويلة ورواية الوقائع المتلاحقة الحوادث، والنوازل المتنوعة المشاهد والمواضع، فمن اقتصر على سند واحد فقد اكتفى برواية واحدة، فلم يؤمن عليه ألا يكتمل عنده متن الحديث، وأن تغيب عنه أجزاء كثيرة من الواقعة، أو يقف على الحديث بمعناه دون لفظه، فلا مناص من البحث عن الروايات الأخرى. وما أكثر الأخبار الواردة في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا يمكن استكمال وقائعها وجمع أجزائها إلا بجمع الروايات المختلفة واستقصاء أسانيدها وطرقها؛ ولهذا وجد عند بعض علماء المغازي ورواة السيرة النبوية ما سماه بعضهم بالسند الجماعي: وهو أن يجمع الراوي في الرواية بين أكثر من واحد ممن سمع منه الواقعة، ويضم سماعاته منهم بعضها إلى بعض لتستقيم الواقعة وتكتمل أجزاؤها، ولو اقتصر على الواحد لجاءت الواقعة قاصرة؛ لأن هؤلاء روى بعضهم من الواقعة ما لم يرو غيره؛ لأن كل واحد حفظ ما لم يحفظ غيره، فلابد من ضم ذلك كله بعضه إلى بعض.
وهذا من منهج إمام الحديث والمغازي في عصره ابن شهاب الزهري،

الصفحة 6