كتاب جهود علماء المسلمين في تمييز صحيح السيرة النبوية من ضعيفها

فقد أخرج البخاري بسنده عنه في قصة الإفك، قال الزهري: حدثني عروة ابن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت له اقتصاصا، وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض." (1) قال الحافظ ابن حجر في شرح قول الزهري "وبعضهم كان أوعى..": "هو إشارة إلى أن بعض هؤلاء الأربعة أميز في سياق الحديث من بعض من جهة حفظ أكثره، لا أن بعضهم أضبط من بعض مطلقاً، ولهذا قال: "أوعى له" أي للحديث المذكور خاصة… وحاصله أن جميع الحديث عن مجموعهم لا أن مجموعه عن كل واحد منهم" (2) . فهذا هو المنهج الذي وضعه المحدثون لجمع الأخبار الطويلة التي تتفرق أجزاؤها بحسب تفاوت حفظ الحفاظ، عندما يروي بعضهم ما لم يرو غيره. فلاستكمال الأخبار لابد من تتبع أسانيدها واستقصاء طرقها، فتجتمع بذلك ألفاظه وصيغه، فيكتمل متنه. وهذا المسلك هو المعروف عند علماء الحديث بالمتابعات أي أن المحدث لا يكتفي بالحديث الواحد في مصدر واحد بسند واحد وإنما يبحث له عن أسانيد أخرى فإن وجدت فالحديث له متابعات، وهي مما يتقوى بها الحديث، وإذا لم تكن له متابعات سموه فرداً غريباً.
__________
(1) "صحيح البخاري" كتاب المغازي، باب حديث الإفك. (فتح الباري 7/431) . ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول التوبة (صحيح مسلم 4/2129) ، صحيح مسلم بشرح النووي 17/102-103) . وأخرجه أيضا الإمام احمد في مسنده، 6/194.
(2) فتح الباري 8 / 457

الصفحة 7