كتاب طرسوس صفحة من جهاد المسلمين في الثغور

284 هـ، فحمل دميانة إلى بغداد1. فوفد أهل طرسوس على المعتضد، وطلبوا أن يولي عليهم والٍ، فأرسل ابن الإخشيد أميراً على طرسوس من بغداد2، فقاد عملية الجهاد، وغزا بأهلها عام 285 هـ، وفتح الله على يديه3. وقام راغب الخادم بالغزو في البحر4 ولم تدم إمارة ابن الإخشيد طويلا، إذ توفي عام 286 هـ، واستخلف أبا ثابت عليها. ولما خرج المعتضد إلى الرقة، استدعى راغباً من طرسوس، فقدم عليه، فحبسه وأخذ جميع أمواله، ومات بعد أيام من حبسه، وقبض على مكنون غلام راغب وأخذ ماله بطرسوس5 فحنق أهل طرسوس على المعتضد، وكانت حركة القرامطة أيضاً قد اشتدت بهجر عام 287 هـ، فطمعت الروم في ناحية طرسوس، واجتمعت، وحشدت العساكر، ووافت باب قلمية من طرسوس، فنفر أبو ثابت أميرها، فلم يقدر على مقاومتهم، وأسروه، وقتلوا من أصحابه جماعة، وأسروا من أسروا. وكان ابن كلوب غازياً في درب السلامة، فلما عاد جمع مشايخ الثغر، ليتراضوا على أمير، فأجمعوا رأيهم على ابن الأعرابي، فولوه أمرهم6.
وتحرك وصيف ضد المعتضد في الثغور، ولحنق أهل طرسوس على المعتضد كاتبوا وصيفاً، فتوجه المعتضد بنفسه إلى الثغور، وهزم وصيفاً، ثم رحل إلى المصيصة، وهناك أحضر رؤساء طرسوس فقبض عليهم، وأمر بإحراق مراكب طرسوس التي كانوا يغزون فيها، وجميع آلاتها، وكان من جملتها نحو خمسين مركباً قديمة قد أنفق عليها من الأموال ما لا يُحصى، ولا يمكن عمل مثلها، فأضر ذلك بالمسلمين، وفتّ في أعضادهم، وأمن الروم أن يُغزوا في البحر. وكان إحراقها بإشارة دميانة غلام يازمان، لشئ كان في نفسه على طرسوس. واستعمل المعتضد على أهل الثغور الحسن بن كوره، وبماد إلى بغداد7، وقد أضرّت سياسته هذه بطرسوس كثيراً وأصبحت تعتمد على جند الخلافة، بدلا من اعتمادها على نفسها في الجهاد، واحتاجت عملية البناء من جديد جهداً ووقتاً وأموالا، وزاد الأمر سوءاً انشغال الخلافة بعد ذلك بحركة القرامطة، وبفتنها الداخلية، فتوجه غلام زرافة إلى طرسوس، بعد تدمير اسطولها، وكان أحد البحارة المسلمين، والمجاهدين الكبار، فجمع
__________
1 الكامل في التاريخ 6/ 85.
2 الطبري 8/ 181، 193.
3 الكامل 6/ 91، البداية والنهاية 11/ 79.
4 الطبري 8/ 194، ابن تغري 3/ 116.
5 الطبري 8/ 196، ابن تغري 3/118، الكامل 6/93 (في الكامل بكنون) .
6 الطبري 8/ 199، الكامل 6/ 94، البداية والنهاية 11/ 83.
7 الطبري 8/203، الكامل 6/ 94، العبر 1/413، سير أعلام النبلاء13/ 466.

الصفحة 120