كتاب النقص من النص حقيقته وحكمه وأثر ذلك في الاحتجاج بالسنة الآحادية
ثانياً: أن التسوية بين الخاص والعام في الاحتمالية المبنية على عدم ورود تخصيص إلا بالعام الذي هو الخاص الإضافي لا الحقيقي، يلاحظ عليه: أنه وقع التخصيص بالخاص الحقيقي. مثل قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} 1، فإنه خصص قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 2، ولا شك أن إباحة الأكثر من الأربع كانت خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم خاص حقيقي.
وكذلك خص قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم} 3 بما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم من كفاية شهادة خزيمة4 رضي الله عنه لمن شهد له دون الحاجة إلى شاهد آخر5.
وخزيمة خاص حقيقي. وبهذا انتقض دعوى عدم التخصيص إلا بالعام.
هذا، وأن الحنفية ومن معهم قد ساقوا دليلاً، وسيق لهم ثلاثة أجيب عنها كلها والذي يظهر لي - والله أعلم - أن تلك الإجابات قد أقعدت تلك الأدلة عن أن تنهض حججًا تثبت ما سيقت له. والذي يظهر لي - والله أعلم - أن الراجح هو التخصيص بالخاص المتقدم على العام.
الحالة الرابعة: عدم معرفة التاريخ بين الخاص والعام
يتحقق ذلك بأن لا يعلم تقدم أحدهما على الآخر. وقد مثلوا لها بحديث: "فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثرياً6 العشر، وما سقي بالنضح7 نصف العشر" 8. وحديث: "ليس فيما أقل من خمسة أوسق صدقة"9.
__________
1 الأحزاب: 50.
2 1لنساء: 3.
3 الطلاق: 2.
4 هو: خزيمة بن ثابت بن الفاكه الأنصاري الأوسي، من السابقين الأولين شهد بدرا، وما بعدها من المشاهد توفى رضي الله عنه في صفين سنة سبع وثلاثين هجرية. انظر: الإصابة (ا/ 424) .
5 جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة رضي الله عنه شهادة رجلين، رواه البخاري، وغيره، أنظر: صحيحه مع الفتح (6/21-22) .
6 العثرى بفتح الأول والثاني وكسر الثالث وتشديد الأخير: نسبة إلى العثر. وهو: الاطلاع والوقوف على الشيء. والعثرى: هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي. سمي به، لأنه لا يحتاج في سقيه إلى تعب. فكأن صاحبه عثر على الماء بلا عمل منه. انظر: القاموس مع تاج العروس (12/ 526) ، وفتح الباري (3/ 349) ومجمع البحار (3/ 519) .
7 النضح: بالفتح فالسكون: الرش، وما سقي بالنضح: هو الذي سقى بالساقية. راجع: القاموس المحيط (ص/313) وفتح الباري (3/ 349) .
8 رواه البخاري. انظر: صحيحه مع الفتح (3/347) .
9 رواه البخاري. انظر: صحيحه مع الفتح (3/ 351) .