كتاب التعجب من فعل المفعول بين المانعين والمجيزين

جَعْلُك غيرك فاعلاً لفعل، من شأن ذلك الفعل أن يوجد منه، كقولك: أذْهَبْتُ زيداً، أي: حملته على الذهاب، جعلته يفعل، فالذهاب فعل زيدٍ إلا أنه كان تاركاً له، فحمله عليه، أو عاجزا عنه، فأعنته على فعله، فكل فعل متعد كان تعديه بنقل الهمزة، فالمفعول فيه فاعل في المعنى والأصل، والمفعول القائم مقام الفاعل في قولك: ضرِبَ زَيدٌ، لا حظَّ له في الفعل بوجه، إذ لا يتصور أن يكون لزيد في قولك: "ضُرِبَ زيدٌ" فعل تحمله عليه، وتجعله فاعلا له، لأنه بمنزله قولنا: أُوقِع به الضربُ، فالفعل لمن أوقعه دون زيد، فأنت إذاً تحاول بتعدية ضُرِبَ أن تجعل زيداً فاعلاً, وهذا الفعل الذي تزعم أنك تُعديه يقتضي أنه مفعول، فهما في طرفي نقيض, وإذا ثبت هذا، وكان فعل التعجب مفعولاً بهمزة التعدي ثبت أنه لا يجوز إدخالها على فعل المفعول، فلا يصِح: ما أَضْرَبَ زيداً! بمعنى ما أكثر ضرب غيره له، لأن (آَفْعَلَ) وضع بمعنى جعله فاعلا على إيجاد الفعل لا بمعنى جعله مفعولا، وصيَّره يوقع الفعل، فاعرِفه" 1، وقد بنوا على هذا دليلا آخر. فقالوا:
3- الدليل على ذلك مجيئهم باللام، فيقولون: ما أَضرَبَ زيداً لعمرو!، ولو كان باقياً على تعديه لقيل: ما أَضْرَبَ زيداً عمراً!؛ لأنه متعدٍ إلى واحد بنفسه، وإلى الآخر بهمزة التعدية، فلما أن عَدَّوه إلى المفعول بهمزة التعدية، عَدَّوْه إلى الآخر باللام، فهذا هو الذي أوجب لهم أن قالوا: إنهما لا يصاغان إلا من فعل الفاعل، لا من الفعل الواقع على المفعول". "وفي امتناعهم من إجارة: ما أَضْرَبَ زَيْداً عمراً! حتى يقولوا: لعمرو, دلالة على أن النقل وقع من فعل غير متعدٍ" 2.
وقال ابن جني في الخاطريات: "مسألة (ما أَضْرَبَ زيداً لِعَمْروٍ!) فذا يدل على أن (أفْعَلَ) التعجب لا يُبنَى إلا من غير متعدٍ، وهو (فعُلَ) . ألا تراه لو كان "أَضْرَبَ" هنا منقولا من "ضَرَبَ " هذه المتعدية لوجب بعد النقل أن يتعدى إلى مفعولين، فيقول: ما أَضرَبَ زيداً عمراً!، أي: جعلته يضربه، فحاجته إلى اللام يدل على ضعفه، وأنه ليس منقولاً من "ضَرَبْتُ" هذه المتعدية, بل من "ضَرُبْتَ" كقولك: "ظَرُفْتَ"، وعليه حكاية الكوفيين, فيما رويناه عن ابن مِقْسَمٍ، عن ثَعْلَبَ: ضَرُبَتِ اليَدُ! أي: جاد ضرْبُها" 3.
__________
1 المقتصد 1/ 384.
2 انظر العضديات 135 مسألة (61) .
3 ص75-76.

الصفحة 152