كتاب التعجب من فعل المفعول بين المانعين والمجيزين

هذا إذا كان الفعل الثلاثي متعدياً بنفسه إلى مفعوله، أما إن كان متعدياً بحرف الجر1, مثل: رغب زيدٌ في عمرو، فيعدى كما كان في الثلاثي يتعدى، إذ ليس "تحت إعماله لحرف الجر منزلة أنزل منه فينحطوا إليها، فلما لم يجدوا ذلك) ل (يبلغوه فأقاموا عليه، كما أنهم لما قالوا: مررت بزيد، ثم بنوا منه اسم الفاعل قالوا: هذا مارٌّ بزيد، فعدوا اسم الفاعل بالحرف كما عدوا الفعل به، وإن كنا نعلم ضعف اسم الفاعل في التعدي عن الفعل، ألا تراك تقول: ضَرَبْتُ زيداً، وأنا ضارِبٌ لزيدٍ، لكنهم لم يجدوا تحت حرف الجر منزلة فينْحَطُّوا إليها مع اسم الفاعل" 2.
4- ومما يدل على النقل أن الفعل إذا زاد على ثلاثة أحرف لم يدخل في هذا الباب، لأنه يلزم أن تزاد عليه الهمزة التي وضعت للتعدي، فإذا زيدت عليه الهمزة, وهو على أكثر من ثلاثة أحرف خرج عن الأمثلة التي تكون عليها الأفعال إلى ما ليس في كلامهم، فلذلك رفض إدخال الأفعال التي تقع عبارات عن الألوان في هذا الباب، لأنها تقع على أكثر من ثلاثة أحرف، نحو: أبيض، وأبياض. واشهب وأشهاب. وما امتنع من ذلك في قولهم: ما أفعله، امتنع من (أفْعِلْ به) وهو أفْعَلُ من كذا، لإجرائهم الأبنية الثلاثة مجرىً واحداً، فهذا
__________
1 وقد فصل ابن عقيل القول فيما كان مفعولا قبل التعجب، فقال:" يجر ما تعلق بفعلي التعجب إن كان غير ظرف، وحال، وتمييز ب (إلى) إن كان فاعلا في المعنى، نحو: ما أحب زيداً إلى عمرو‍! والمعنى: يحب عمرٌ زيداً حباً بليغاً, وكذا أحبب بزيد إلى عمرو!.
فإن كان غير فاعل في المعنى، وأفهم علماً أو جهلاً جر بالباء، نحو: ما أعرف زيداً بعمرو! وما أجهله به!، وما أبصر خالدا بالشعر! وأبصر بعمرو بالفقه!، وأجهل بخالد به!.
وإن كان متعدياً بحرف جر, جر بحرف الجر نفسه (عدي بالحرف الذي كان يتعدى به) , نحو: ما أزهد زيداً في الدنيا! , وما أبعده عن الشر! , وما أصبره على الأذى! , وكذلك (أَفْعِلْ) .
وإن كان متعديا لمفعولين: جُر أولهما، ونصب الآخر، نحو: ما أكسى زيداً للفقراء الثياب!، وما أظنَّ عمراً لبشرٍ صديقاً!، من قولك: كسا زيدٌ الفقراء الثياب، وظن عمرو بشراً صديقاً, والناصب للمفعول مدلول عليه ب (أفعل) لا به عند البصريين، تقديره نحو: يكسوهم الثياب، ويظنه صديقاً، وخالف الكوفيون، فجعلوا ناصبه فعل التعجب، المساعد 2/ 158-159، وانظر 2/ 187.
والتركيب جائز عند الفريقين من غير شرط، واختلفوا في تخريجه، فاتفقوا على أن نصب ما كان فاعلا ب (أَفعَلَ) ، وأجاز البصريون تعديته إلى أحد مفعوليه باللام، نحو: ما أكساك لعمروٍ أو للثياب، وإن جاء من كلامهم: ما أكساك لعمروٍ الثياب، فعلى تقدير عامل، أي: يكسوهم الثياب.
وقال الكوفيون: تعدي (أَفعَلَ) بعد نصبه ما كان فاعلاً إلى الأول باللام، وإلى الثاني بنفسه.
وأما باب (ظن) فاقتصر فيه البصريون على الفاعل، نصبوه ب (أَفعَلَ) ولم يعدوه إلى شيء من المفعولين، لا بحرف ولا بنفسه، وقال الكوفيون: يذكر المفعولان، ثم إن لم يلبس عُدي باللام للأول، وبنفسه للثاني، كالمثال السابق، وإن ألبس عُديَ لكل باللام، نحو: ما أظن زيداً لأخيك لأبيك!، أصله: ظن زيدٌ أخاك أباك. المساعد 2/ 159-160.
2 الخاطريات 76-77.

الصفحة 153