كتاب التعجب من فعل المفعول بين المانعين والمجيزين

للتعدي، وهو كثير، واستعمل الباء زائدة على المفعول، وهو كثير، واستعمل صيغة الأمر للأمر، وهو القياس، ثم نقل على التقدير الأول، فلم يلزم فيه ذلك التعسف الذي في التقدير الأول، وإنما يلزم فيه الإضمار الذي لا يتغير، وليس بمستبعد ألا ترى أن مثل هذه الصيغة في الإنشاء للمدح قد جرى الضمير فيها هذا المجرى، فلم يغير عن لفظ الوحدة في قولك: نِعمَ رجلاً، ونِعم رجلين، ونعْمَ رجالاً،، فكذلك هاهنا، وقد أجاب بقوله: إنه جرى مجرى المثل، فلم يُغيّر عن لفظ الوحدة.
والوجه الثاني: أن تجعل الهمزة لما جعلت له في الوجه الأول، وهو على الأمر أيضا، كان أصله: أكرِم، أي: صِرْ ذا كرم، ثم عُدّي بالباء، فصار الفاعل فيه مُصيراً غيره صائراً ذا كرم، كما تقول: قمت، فتكون أنت القائم، ثم تقول: قمت بزيد، فتأتي بالباء للتعدي، فيُصير الداخلة هي عليه هو الفاعل لذلك قبل دخولها، فصار بمعنى أكرم بزيد! في الأصل على هذا التأويل: صَيِّر زيداً صائراً ذا كرم 1، فأفاد التصيير فيه مجيء الباء للتعدي، لأن هذا المعنى مستفاد من باء التعدي، وأما كونه صائرا ذا كذا فمستفاد من الصيغة التي هي أكرم" 2.
وقد رد الجمهور على ما قاله المخالفون, فقالوا زيادة على ما ورد ذكره في أثناء عرض حجج المخالفين:
"إن الفاعل هنا ليس شيئاً غير المفعول، ألا ترى أنك إذا قلت: "ما أحسن زيدا"، فتقديره: شيء أحسن زيداً، وذلك الشيء ليس غير زيدٍ، فإن الحسن لو حلّ في غيره لم يحسن هو، فكان ذلك الشيء مثلاً عينه أو وجهه، وليسا غيره، فلذلك جاز أن يكون مفعولاً في ذلك اللفظ أو فاعلاً في هذا اللفظ، إذ المعنى واحد، فإن قيل: فما وجه استعمال التعجب على لفظ الأمر، وإدخال الباء معه، قيل: أرادوا بذلك التوسع في العبارة، والمبالغة في المعنى, أما التوسع فظاهر؛ لأن تأدية المعنى بلفظين أوسع من قصره على لفظ واحد، وأما دخول الباء فلما ذكرنا من إرادة الدلالة على التعجب، إذ لو أريد الأمر لكان كسائر الأفعال، ويتعدى بما تتعدى تلك الأفعال، فكنت تقول في (أحسِن بزيدٍ) : أَحْسِن إلى زيدٍ؛ لأنك تقول: أحسنتُ إلى زيدٍ، ولا تقول: أحسنت بزيد" 3.
__________
1 وهذا أمر حقيقة، وهو ضعيف، إذ يلزم منه أن يكون الناطق به متعجبا، ولا خلاف في أن الناطق به متعجب، المساعد 2/ 149.
2 الإيضاح في شرح المفصل 2/ 110-111.
3 شرح المفصل 7/ 148.

الصفحة 165