كتاب التعجب من فعل المفعول بين المانعين والمجيزين

ولهذا جاز حذف المتعجب منه في نحو قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِر} 1 أي: أبصر بهم. فعلى قول من يقول بأنه مفعول لا إشكال كما تقدم. وعلى قوله الجمهور: إن المجرور في موضع رفع ب (أفعل) إنما جاز حذفه؛ لأنه في المعنى كمعمول (أَفْعَلَ) فحُمِلَ عليه، والفارسي وقوم على أنه لم يحذف، بل حُذف الحرف، فاستتر الضمير، ورُد بعدم بروزه، فلا يقال: أسمع بالزيدين وأبصروا 2.
وقد ردوا على هذا الاعتراض بأن قالوا: عدم تصرف فعل التعجب سَوَّغ لزوم (أَفْعِل) وإن خُوطب به مثنى أو مجموع أو مؤنث- صورة الإفراد، وسهل ذلك انمحاء معنى الأمر فيه، كما انمحى في (ما أَفْعَل) معنى الجعل، وصار معنى (أَفعِلْ به) كمعنى (ما أَفعلَه) وهو محض إنشاء التعجب، ولم يبق فيه معنى الخطاب حتى يثنى ويجمع ويؤنث، باعتبار تثنية المخاطب وجمعه وتأنيثه". وقد جرى مجرى الأمثال، فلزم صورة واحدة في جميع أحواله 3.
ثم إنه وإن كان بلفظ الأمر فليس بأمر، وإنما هو خبر محتمل للصدق والكذب، فيصح أن يقال في جوابه: صدقت أو كذبت، لأنه في معنى "حسن زيدٌ جداً".
ومنها أنه لو كان أمراً لكان فيه ضمير المأمور، فكان يلزم تثنيته وجمعه وتأنيثه، على حسن أحوال المخاطبين.
ومنها أنه كان يصح أن يجاب بالفاء كما يصح ذلك في كل أمر، نحو: أَكْرِمْ بعمرٍ فيشكرك، وأجمل بخالد فيعطيك, على حد قولك: أعطني فأشكرك، فلما لم يجز شيء من ذلك, دل على ما ذكرناه، فاعرفه 4.
وتخريج الزجاج لبقاء "أحْسِنْ به " في الأحوال على صورة واحدة كون الخطاب لمصدر الفعلِ، أي: يا حُسْنُ أَحْسِنْ بزيدٍ. وهذا تخريج فيه تكلف وسماجة من حيث المعنى، وأيضا نحن نقول: أَحْسِنْ بزيدٍ يا عمرو، ولا يخاطب شيئان في حالة واحدة، إلا أن نقول: إن معنى خطاب الحُسْن قد انمحى 5. ثم إنه خالف من وافقه في هذا التخريج، إذ جعلوه أمراً لكل أحد بأن يجعلَ زيداً حسناً، وجعله كذلك بوصفه بالحُسْن، كأن معناه قيل: صِفْهُ
__________
1 سورة مريم آية 38.
2 المساعد 2/ 153.
3 شرح الكافية 2/ 310، وانظر شرح المفصل 7/ 148.
4 شرح المفصل 7/ 148، وانظر المساعد 2/ 150-151.
5 انظر شرح الكافية 2/ 311.

الصفحة 166