كتاب المماليك البحرية وقضائهم على الصليبيين في الشام

بمهاجمة البلاد المحيطة بها، حيث استولى على عدة قلاع تقع إلى الشمال منها1 ثم وجه همه نحوها بجيشه المؤلف من ثلاث فرق، استولت الفرقة الأولى منها على ميناء السويدية، لتقطع اتصال انطاكيا بالبحر، ورابطت الفرقة الثانية في ممرات قيليقيه لتمنع وصول الإمدادات من أرمينية الصغرى، ثم هاجم المدينة بالفرقة الثالثة، واستمرت الهجمات، ودام الحصار. ثم جرت مفاوضات لتسليمها صلحا، ولكنه رفض، واستطاع أن يفتحها عنوة، في رمضان عام 666 هـ (1268م) فأحرقها2، وقتل من أهلها خلقا كثيرا3، وأسر أعدادا هائلة منهم، وغنم مالا يحصى من الأموال بلغ من كثرتها (أن قسمت الأموال بالطاسات) وبلغ الأسرى من الكثرة حتى أنه لم يبق غلام إلا وله غلام، وبيع الصغير باثني عشر درهماً) 4. فكان سقوطها معلما خطيرا على طريق نهاية الصليبين بالشام لأنها كانت بحكم موقعها الجغرافي سندا لهم منذ بداية الحروب الصليبية، وسبب سقوطها ذعرا شديدا في صفوف الصليبين، حتى أرسل ملك أرمينية الصغرى يعرض على بيبرس أن يسلمه بلاده مقابل الاستمرار في مهادنته5.
ولم يكتف بيبرس بهذا النصر العظيم، فوجه همه نحو جزيرة قبرص ليؤدب ملكها هيو الثالث، الذي كان دائم التهديد للسفن الإسلاَمية في البحر الأبيض المتوسط، ودائم المساعدة للصليبين، فوجه نحوه حملة بحرية عام 668 هـ (1270م) 6، ولكنها فشلت بسبب العواصف التي حطمت معظم سفنها7 فنجي بذلك ملكها من عقاب بيبرس8.
لم يثن هذا الفشل في فتح قبرص، بيبرس عن مواصلة الجهاد ضد الصليبيين، فاستولى في عام 669 هـ (1270م) على صافيتا وحصن الأكراد، وحصن عكار، والقرين، ثم واصل مهاجمة إمارة طرابلس، فاستولى على ما حولها من حصون وممرات وكاد أن يفتحها،
__________
1 Stevenson: the crusades. P. 339
2 المقريزي: السلوك: 1/544_ 547. ابن كثير: البداية والنهاية 13/251.
3 قيل أنه قتل من أهلها مائة ألف، ومن جنود قلعتها ثمانية آلاف.
Lane_ pode, Egypt in middle ages p. 297.
4 المقريزي: السلوك: 1/568.
Runciman, op. cit. p. 324_ 325
5 ونتبين استهانة بيبرس بالصليبين من الرسالة التي كتبها لأمير انطاكية بوهيمند السادس الذي كان لدى سقوط مدينته يقيم في إمارته طرابلس. (أبو المحاسن: النجوم: 7/147) .
lane_ Poole: the history of Egypt in the middle ages. P. 297.
6 سعيد عاشور: قبرص والحروب الصليبية ص: 47_ 48.
7 العيني: عقد الجمان، حوادث سنة 669هـ.
8 ابن كثير 13/259.

الصفحة 132