كتاب إعراب لا إله إلا الله

فلا لَغْوٌ ولا تأثيم فيها ... وما فاهوا به أبداً مُقيم1
لا يحتاج إلى تقدير "فيها" عند سيبويه، بل الثابت "فيها" خبر الاثنين، ويحتاج لتقدير "فيها" أخرى عند سيبويه في أحد قوليه، وعند الأخفش.
وكنت عرضت هذا النظر على شيخنا أبي حيان2 فقال: كلام ابن الضائع محمول على مذهب من يرى أنها عاملة في الخبر مطلقا. ثم اعترض عليه من وجه آخر، وهو أنه يلزم أن تعمل "لا"3 في المعرفة. وهذا إن تم به الاعتراض على الأخفش فسيبويه سالم منه، حيث يقول إن "لا" لا عمل لها في الخبر.
على أن ابن عمرون حين نقل هذا الإِعراب عن الزمخشري في الحواشي، ردّه بأن المعرفة لا تكون خبراً عن النكرة. فيقال له هذا لا يضر سيبويه إذا كان مع النكرة ما يسوغ الإخبار عنها، وهي متقدمة على المعرفة حفظا للأصول، وقد أعرب: كم جربيا أرضك؟ 4 مبتدأ مقدما وخبرا مؤخرا.
على أن ما ذكره ابن الضائع من أن "لا" لا تعمل في الموجب، قد يقال فيه إن تلك "لا" العاملة عمل ليس، من حيث إنها إنما عملت للشبه بليس من جهة النفي، فإذا زال النفي زال الشبه فزال العمل. أما لا النافية للجنس فعملها إنما هو بالحمل على إن، وهي للإثبات.
__________
1 القائل أمية به أبي الصلت من قصيدة من الوافر يذكر فيها أوصاف الجنة وأهلها وأحوال يوم القيامة. واللغو الباطل. والتأثيم: من أثمته إذا قلت له أتمت. وفاهوا: تلفظوا. والشاهد في قوله "فلا لغو ولا تأثيم " حيث ألغى لا الأولى أو أعملها عمل ليس، فرفع الاسم بعدها، وأعمل لا الثانية عمل إنّ. وعند سيبويه "فيها" خبر لهما، وعند غيره خبر لأحدهما، وخبر الآخر محذوف.
قال الصبان 2/ 11. يتعدى خبران عند الجميع إن جعلت الأولى عاملة عمل ليس.. وكذا إن جعلت مهملة عند غير سيويه. وأما عند سيبويه فيجور خبران، وكذا يجور خبر واحد عن مجموع المبتدأين إن كان سيبويه لا يوجب كون لا مع اسمها مبتدأ مستقلا غير معطوف على مبتدأ قبله ... (وانظر الشاهد في أوضح المسالك 2/ 20، التصريح 1/ 241، تخليص الشواهد 411) . وقال أبو حيان في الارتشاف 2/ 166. على قول الأخفش لا يكون "فيها" إلا خبرا عن أحدهما، وخبر الآخر محذوف. وعلى القول الآخر يصلح أن يكون فيها خبرا عنهما ...
2 أبو حيان النحوي الأندلسي محمد بن يوسف بن حيان الجياني، أثير الدين، نحوي عصره ولغويه ومفسره ومحدثه ومقرئه ومؤرخه وأديبه. ولد سنة 654 هـ في إحدى جهات غرناطة، وتنقل إلى أن أقام بالقاهرة، وتوفي فيها. وله مصنفات قيمة منها: البحر المحيط في التفسير، التذييل والتكميل في شرح التسهيل، ارتشاف الضرب. توفي سنة 745 هـ.
(انظر: بغية الوعاة 1/ 280، الأعلام7/ 152) .
3 في المخطوطة "إلاّ".
4 قال سيبويه 2/ 160: فإذا قلت. كم جريبا أرضك؟ فأرضك مرتفعة بكم لأنها مبتدأة، والأرض مبنية عليها..

الصفحة 58